تاريخ حي "صار عربيا" في بون عاصمة ألمانيا الغربية

فندق غوديسبيرغ مرادف لما يسمى بالبيت الأبيض الواقع على ضفاف الراين وهو فندق دريزن Dreesen العتيد الذي اشتهر منذ عشرينيات القرن الماضي وما زال حتى اليوم من أشهر فنادق المنطقة.
فندق غوديسبيرغ مرادف لما يسمى بالبيت الأبيض الواقع على ضفاف الراين وهو فندق دريزن Dreesen العتيد الذي اشتهر منذ عشرينيات القرن الماضي وما زال حتى اليوم من أشهر فنادق المنطقة.

تناولت مسرحية "فندق غوديسبيرغ" الألمانية أوجه حياة حي باد غوديسبيرغ بمدينة بون. عارف حجاج حضر المسرحية وكتب لموقع قنطرة عن تاريخ الحي الدبلوماسي سابقا وعن جدل قديم جديد حول حضور العرب فيه.

الكاتبة ، الكاتب: عارف حجاج

تناولت مسرحية "فندق غوديسبيرغ" شتى أوجه الحياة في ضاحية باد غوديسبيرغ التابعة للعاصمة الألمانية السابقة بون والتي كانت المركز الدبلوماسي للعاصمة. سلطت المسرحية الأضواء على الذكريات والانطباعات التي شهدتها هذه الضاحية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى انتقال العاصمة الى برلين. يلاحظ عارف حجاج أن تمجيد وادي نهر الراين لدى السكان والشعراء والموسيقيين يرافقه جدل مزدوج محتدم حول "الحي العربي" وتكاثر الأجانب الشرقيين في الضاحية.

***************

عندما يطلع المتفرج على فيلم سينمائي أو مسرحية درامية أو كوميدية ما فإنه يتلهف لاكتشاف قصة شيقة من بدايتها حتى نهايتها. أما من يَحضُر المسرحية الفكاهية "فندق غوديسبيرغ" في مسرح مدينة بون الرئيسي الواقع تحديدا في الضاحية المذكورة فإنه يشعر منذ البداية بأن الرواية بتسلسلها الحافل بالمفاجآت والروايات الممتعة والتهكمية في بعض الأحيان لا تملك هيكلا تقليديا معتادا.

أقاصيص وذكريات

إنها على وجه التحديد عرض متنوع يشمل الأقاصيص والذكريات من جهة والعرض الموسيقي المتميز من جهة أخرى.

الجدير بالذكر أن ضاحية باد غوديسبيرغ كانت حتى انتقال البرلمان والحكومة الاتحادية من بون إلى برلين في أواخر القرن العشرين المقر الدبلوماسي للعاصمة السابقة، حيث احتضنت هذه الضاحية العدد الأكبر من السفارات الأجنبية ومساكن السفراء وغيرهم من الدبلوماسيين. ومع أن باد غوديسبيرغ أصبحت في غضون سبعينيات القرن الماضي من الناحية الإدارية جزأً من مدينة بون إلا أن سكانها ما زالوا يفتخرون بانتمائهم لها ويشعرون بأنهم يختلفون في بعض الجوانب عن سكان المدينة الأكبر بون دون استطاعتهم إعطاء براهين محددة على ذلك من نواحي الانتساب واللهجات والعادات والميول.

 

مسرحية "فندق غوديسبيرغ" - ماضي "الحي العربي" في بون عاصمة ألمانيا الغربية. Theaterstück Hotel Godesberg Foto Thilo Beu
فندق غوديسبيرغ على نهر الراين هو فندق دريزن Dreesen العتيد: من أشهر الفنادق منذ العشرينيات إلى الآن. شهد بالقرن الماضي ضيوفا مرموقين ساسةً وفنانين وأدباء كالممثلة والمغنية الشهيرة الألمانية مارلينه ديتريش التي قاومت النازيين وممثلة هوليود الأيقونية غريتا غاربو (ذات أصول سويدية). كما أقامت ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية مرات عدة بالفندق الذي شهد بجانب قصر "لا ريدوت" أشهر الاحتفالات والمراسم الدبلوماسية إبان تبوء بون لمركز العاصمة الألمانية. وكان من المترددين على الفندق شخصان مختلفان تماما بالعقلية والمنهج الفكري والسياسي هما أدولف هتلر الذي أقام بالفندق أكثر من 20 مرة والفنان الكوميدي شارلي شابلن الذي أخرج فلم "الديكتاتور الكبير" وهزء فيه من هتلر ونزوعه المرضي للإحساس بالعظمة والجنون. والمعروف أن هتلر النمساوي الأصل لم يولع ببرلين فكان يقضي عطله إما بجبال بافاريا أو على ضفاف نهر الراين. ورغم انعدام الصلة بين ابن مدينة بون الموسيقار الشهير بيتهوفين وبين الفندق إلا أنه خلد مع ذلك بمشهد يظهر نادل الفندق وهو يروي للموسيقار محتوى قائمة الطعام صارخا دلالة على أن بيتهوفين بات أصم.

 

شارك في المسرحية على نحو غير معهود ممثلون وممثلات محترفون وبعض هواة التمثيل المسرحي المنحدرين من تلك الضاحية حيث أعطاهم كاتب المسرحية ومخرجها الفرصة للمشاركة في صياغة الحوار انطلاقا من معرفتهم الحميمة بأسرار باد غوديسبيرغ وخفاياها.

إحدى أفراد الكومبارس كانت تردد على وتيرة لازمات الأغاني والأناشيد التساؤل الرتيب التالي "لماذا يتسم الراين بكل هذا الجمال؟" ليرد عليها ضيوف الفندق الذي ضجروا من هذه اللازمة "لا يسعنا الإجابة على ذلك".

فندق غوديسبيرغ مرادف لما يسمى بالبيت الأبيض الواقع على ضفاف الراين وهو فندق دريزن Dreesen العتيد الذي اشتهر منذ عشرينيات القرن الماضي وما زال حتى اليوم من أشهر فنادق المنطقة. شهد الفندق في القرن الماضي ضيوفا مرموقين من رجالات السياسة والفن والأدب مثل الممثلة والمغنية الشهيرة الألمانية مارلينه ديتريش التي قاومت النظام النازي وممثلة هوليود الأيقونية غريتا غاربو المنحدرة من أصول سويدية. كما أقامت ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية مرات عديدة في الفندق الذي شهد بجانب قصر "لا ريدوت" أشهر الاحتفالات والمراسم الدبلوماسية ابان تبوء بون لمركز العاصمة الألمانية.

الديكتاتور أدولف هتلر والكوميدي شارلي شابلن

وكان من المترددين على هذا الفندق شخصان مختلفان تماما في العقلية والمنهج الفكري والسياسي هما أدولف هتلر الذي أقام في الفندق أكثر من عشرين مرة والفنان الكوميدي شارلي شابلن الذي أخرج فلما سُمي "الديكتاتور الكبير" هزء فيه بشخص هتلر ونزوعه المرضي للإحساس بالعظمة والجنون. والمعروف أن هتلر النمساوي الأصل لم يولع ببرلين فكان يقضي عطله إما في جبال بافاريا أو على ضفاف نهر الراين. ورغم انعدام الصلة بين ابن مدينة بون الموسيقار الشهير بيتهوفين وبين الفندق إلا أنه خلد مع ذلك في مشهد يظهر نادل الفندق وهو يروي للموسيقار محتوى قائمة الطعام صارخا دلالة على أن بيتهوفين بات أصمَّ.

يرى المتفرج في مشهد آخر ضيفا يحمل قبعة على شكل زرافة دلالة على انعقاد الجلسات الدستورية الأولى في بون في متحف للحيوانات المحنطة بسبب افتقاد المدينة بعد سنوات الحرب العالمية الثانية مباشرة لمقرات أنسب.

شهد الفندق لقاءات سياسية على أعلى المستويات وكثيرا ما ألقيت فيه أو في صالات فاخرة أخرى كلمات الترحيب بضيوف كبار من شتى دول العالم. وبحكم أن وزير الخارجية السابق غنشر تبوأ هذا المنصب لمدة عقد ونصف فقد خلدته المسرحية ولو من قبيل المسرح الساخر فعرضت كلمة ألقاها ترحيبا بنظيره السعودي آنذاك الأمير سعود الفيصل اتسمت بالرتابة والضحالة والافتقار إلى براعة البلاغة. وبالفعل اتسمت وما زالت الخطب المتبادلة في مثل هذه المناسبات تتسم في معظم أنحاء العالم بطابع روتيني واسترسال خال من المحتوى الجوهري.

جبال سبعة على ضفاف الراين

تشتهر باد غوديسبيرغ بموقعها الرومانسي على ضفاف الراين مطلة على "الجبال السبعة" الشهيرة بغاباتها وقلاعها التي ألهمت العديد من الشعراء مثل هاينريش هاينه والموسيقيين مثل ريشارد فاغنر للتغني بها وبنهر الراين في عدة ملاحم شعرية وأوبرالية.

 

"حي العرب" باد غوديسبيرغ - بون - ألمانيا. Deutschland Niqab - Trägerin in Bad Godesberg Foto Picture Alliance
ضاحية باد غوديسبيرغ كانت حتى انتقال البرلمان والحكومة الاتحادية من بون إلى برلين في أواخر القرن العشرين المقر الدبلوماسي للعاصمة السابقة: حيث احتضنت هذه الضاحية العدد الأكبر من السفارات الأجنبية ومساكن السفراء وغيرهم من الدبلوماسيين وأصبحت في غضون السبعينيات إدارياً جزأً من مدينة بون. وهناك جدل طويل مستدام فيها لا سيما منذ انتقال العاصمة الى برلين واختفاء وجوه الدبلوماسيين منها حول تكاثر عدد الأفراد المنحدرين من أصول شرقية عامة وعربية مسلمة على وجه خاص. فالكثيرون يقولون بأن انتشار المطاعم والمخابز وغيرها من المحلات العربية جعل مركز المدينة يفتقد وجهه الألماني الأصلي. لكن البعض الآخر يشيد بوجود الأعداد الكبيرة ممن يسمون هناك بـ "السياح المرضى" الذين ينفقون أموالا طائلة تعود على بون وضواحيها بالنفع الاقتصادي. وفي مسرحية "فندق غوديسبيرغ" عزفت الجوقة الموسيقية بعض الأحيان مقطوعات شرقية أي عربية وفارسية مما أكسب الجدل حول "الحي العربي" صفتين مختلفتين إحداهما عرقية أي سلبية والأخرى نابعة من القناعة بأهمية تكريس الاندماج المجتمعي والفني بين الشعوب والثقافات المختلفة.

 

رغم الحزازات البسيطة القائمة بين بون وضاحيتها الكبيرة باد غوديسبيرغ فإن كلتيهما تفتخران دوما بما يسمى "جمهورية بون" التي تميز عهدها بانتشار السلم والاستقرار السياسي والرخاء الاجتماعي في ألمانيا وأوروبا. لهذا تضمنت المسرحية التي ذكرنا سابقا بأنها كوميدية فاصلا واحدا عبرت فيه عن الحزن والإحباط بسبب انتقال السلطة الفيدرالية في أواخر القرن الماضي من "جمهورية بون" إلى العاصمة القديمة برلين التي لا يضمر لها سكان منطقة وادي الراين أحاسيس المحبة والتقدير منذ أن أحكمت مملكة بروسيا السيطرة على هذه المنطقة ابتداء من عام 1822 لفترة تزيد عن 100 عام.

زيادة المنحدرين من أصول شرقية عامةً وعربية مسلمة خاصةً

بجانب هذه النظرة الرومانسية للضاحية هناك جدل طويل مستدام فيها لا سيما منذ انتقال العاصمة الى برلين واختفاء وجوه الدبلوماسيين منها حول تكاثر عدد الأفراد المنحدرين من أصول شرقية عامة وعربية مسلمة على وجه خاص. فالكثيرون يقولون بأن انتشار المطاعم والمخابز وغيرها من المحلات العربية جعل مركز المدينة يفتقد وجهه الألماني الأصلي. لكن البعض الآخر يشيد بوجود الأعداد الكبيرة ممن يسمون هناك بـ "السياح المرضى" الذين ينفقون أموالا طائلة تعود على بون وضواحيها بالنفع الاقتصادي.

وقد عزفت الجوقة الموسيقية قطعا رائعة طيلة الوقت مما أكسب المسرحية طابعا غنائيا محببا. وعزفت الجوقة بعض الأحيان مقطوعات شرقية أي عربية وفارسية مما أكسب الجدل حول "الحي العربي" صفتين مختلفتين إحداهما عرقية أي سلبية والأخرى نابعة من القناعة بأهمية تكريس الاندماج المجتمعي والفني بين الشعوب والثقافات المختلفة.

 

 

عارف حجاج

حقوق النشر: موقع قنطرة 2023

ar.Qantara.de