لاجئة: عليّ فتح قلبي لرجل جديد وخيانة روح زوجي القتيل

في العمل الفني "ملكات سوريا"، يتردد أصداء الحِكَم اليونانية المأثورة عن الفقدان والطرد من الوطن. كما يعكس العمل حال اللاجئات السوريات ومعاناتهن وما عايشنه خلال الحرب واللجوء، الأمر الذي يبقى، في غالب الأحيان، بعيداً عن دائرة الضوء. هيثر ماكروبي تقدم لنا هذه الإضاءة على واقع المرأة السورية اللاجئة من خلال العمل المسرحي والفيلم السينمائي، "ملكات سوريا".

الكاتبة ، الكاتب: Heather Mc Robie

جرى العرض الأول لفيلم "ملكات سوريا" في المملكة المتحدة في فبراير/شباط 2016 في مدينة غلاسكو الاسكتلندية. يمنح الفيلم، الذي حمل توقيع المخرجة ياسمين فدا، النساء السوريات اللواتي يعانين من الحرب الدائرة رحاها في سوريا صوتاً ومنبراً للتعبير عن أنفسهن. كما يظهر الفيلم ماهية ومعاني الحرب، أي حرب على وجه الأرض. غالباً ما تتعرض تلك المعاني والماهية إلى خطر الحجب والضياع وراء عناوين أخبار وسائل الإعلام، والفيديوهات التي ينتجها ويعرضها تنظيم "الدولة الإسلامية". وتتجلى تلك الماهية والمعاني بالألم العميق بعد خسارة الوطن وكذلك المهمة المرهقة بالبدء من جديد ومن نقطة الصفر في بناء حياة جديدة، بعد أكلت نارُ الحربِ الوطن.

يروي الفيلم قصة مجموعة من اللاجئات السوريات في العاصمة الأردنية، عمّان، وضعن نصب أعينهن تمثيل مسرحية "نساء طروادة" للشاعر اليوناني أورِبيديس (480. 406 ق.م). وأغلب الظن أن أوربيدس كتب المسرحية في عام 415 قبل الميلاد، أثناء الحرب البيلوبونيسية بين أثينا وحلفائها وإسبارطة وحلفائها.

الفيلم الذي عُرض في المملكة المتحدة مقتبس عن مسرحية، بنفس الاسم، دُشن عرضها الأول في عمان في نهاية عام 2013. وقد جعلت اللاجئات من تجاربهن في الفقد والطرد واللجوء والألم ومعايشاتهن للحرب تجارب ذات بعد إنساني لكل البشر.

تقطع منولجات عن المآسي والمعاناة جراء الحرب في سوريا صوت الكورس النسائي (الجوقة) الذي ينشد النص الإغريقي. غير أن الصوت والثيمات (الموضوعات) تتشابك بما يجعل من الصعوبة تمييز ما ورد في النص الإغريقي عن معايشات النساء السوريات اللاجئات من جحيم الحرب.

.

Kinoplakat des Films "Queens of Syria"; Regie: Yasmin Fedda

في بلاد الموت

"يعيش آباؤنا وأخوتنا في بلاد الموت"، تقول النسوة بصوت واحد. وردت هذه الجملة في نص أوربيدس، ولكنها تصف في الوقت عينه وضع النسوة اللاجئات إلى الأردن، حيث تتحمل تلك النسوة، ولوحدهن، مسؤولية العائلة بعد أن اضطر الرجال للهرب أو بعد أن فقدوا في الحرب.

تتحدث المسرحية عن نساء طرواديات "تم تخصيصهن لأسيادهن...غير أن الطرواديات اللواتي لم يخصصن لأسياد موجودات في هذه الخيام". تستحضر هذه المقولة كل من صورة ساحات المعارك القديمة وكذلك صورة مخيم الزعتري للاجئين السوريين. يقع المخيم في شمال الأردن ويقيم فيه بشكل مؤقت حوالي 100 ألف لاجئ سوري.

يرافق الفيلم مجموعة من 30 امرأة وهن يقمن بالتدريب على العرض المسرحي في عمّان. لم يسبق لأي منهن أن وقفت قبل ذلك التاريخ على خشبة المسرح. ويعرض الفيلم كيف يتوجب عليهن، كلاجئات وسوريات وكنساء، التكيف مع وضعهن الجديد هناك وبعيداً عن الوطن.

تعقد بعض النسوة الممثلات مقارنات بين معايشتهن وتجاربهن وما ورد في مسرحية أوربيدس. تقول إحدها، وهي في مطبخ بيتها، الجديد والفقير، في عمان: "أشعر أن ملكة طروادة، هيكوبا، قريبة من جداً. فقد فقدت كل ما تملك: أطفالها وعائلتها...وهذا هو حالنا أيضاً. كانت هيكوبا ملكة في بيتها؛ بيتها كانت مملكتها تدبر شؤونه كما تشاء. "فيما مضى كنت أنا سيدة هذا المكان، أما الآن فأنا لا شيء"، تقول هيكوبا في المسرحية الإغريقية. وتعقب عليها اللاجئة-الممثلة السورية بأن حال هيكوبا فيما مضى هو حالنا اليوم. وتقول ممثلة أخرى، والتي تتخذ موقف سياسي علني من الممارسات الوحشية لنظام الأسد: "أنا أشبه شخصية كاساندرا في مسرحية أوربيدس، فأنا أريد الانتقام من الذين فعلوا بي ما فعلوا".

يأخذنا الفيلم إلى الأجواء والديناميات الداخلية والنقاشات المصاحبة لبروفات التدريب على العرض المسرحي. فعلى سبيل المثال تكتب كل ممثلة رسالة إلى شخص موجود داخل سوريا وترغب برؤيته. ثم تقوم النسوة بقراءة تلك الرسائل على العلن خلال العرض المسرحي.

عبدة في بيت أعدائي

قامت المخرجة ياسمين فدا بمَنتجة مقاطع فيديو مأخوذة من العرض المسرحي ومقاطع فيلمية من البروفات وأخرى من أحاديث حوارية مع الممثلات، وصنعت من هذا المقاطع الفيلم. ساهمت هذا التقنية في الإخراج في الإضاءة على القصص المتشابكة للنسوة وفي تسليط الضوء على معايشات النساء في الحرب، وهو الموضوع الذي يبقى غالباً بعيداً عن التناول وعن دائرة الضوء.

تنشد النسوة معاً في الكورس: "سأكون عبدة في بيت أعدائي. وسيتوجب علي نسيان حبي وفتح قلبي لرجل جديد. عندها سأكون خائنة لروح رجلي المقتول".

تعيد وحشية الحرب في سوريا إلى الأذهان الفظاعات التي طالت النساء أثناء الحرب الأهلية في يوغسلافيا السابقة. وقد وثقت عدة مشاريع كـ"نساء تحت الحصار" ومنظمات حقوقية كـ"هيومن رايتس وتش" حالات كثيرة لعنف جنسي بحق النساء، وكذلك حالات تعذيب واستغلال واعتقال عشوائي. وقد مارست أطراف عدة هذه الفظاعات: قوات الأسد، وميليشيات موالية للأسد، ومجموعات معارضة مسلحة، وأخيراً تنظيم "الدولة الإسلامية".

وصفت الأمم المتحدة عمليات الاغتصاب في سوريا بأنها "سلاح تم استخدامها في الحرب". وتلاحق تبعات الاغتصاب النسوة بعد هروبهن من نار الحرب في سوريا. افتتحت الدكتورة منال تهتموني في عام 2013 عيادة نسائية في مخيم الزعتري. وحسب الدكتورة منال يزور العيادة يومياً بين 300 إلى 400 امرأة. وقد كان الكثير منهن ضحايا لعنف منزلي وعنف جنسي. وما يزال هذا الموضوع تابو (محرم) ثقافي ويجلب وصمة عار على جبين الضحايا.

ترجع معايشات النسوة الفارات من نار الحرب في سوريا صدى المعاني التي جسدها أوربيدس في مسرحيته "نساء طروادة": الطرد وتباعاته من رضوض نفسية. وحتى بعد نجاحهن بالهرب تبرز أمامهن مشاكل كثيرة. وقد رسمت النسوة خريطة هربهن من سوريا إلى الأردن. وقالت إحداهن أنها تنقلت بين عشرات البيوت خلال سنة واحدة فقط.

حين تدفق الكثير من السوريين في عام 2013 إلى مخيم الزعتري، اُفتتحت متاجر تجهيز العرائس لتلبية الطلب المتزايد نتيجة زواج الفتيات السوريات. وبحسب الأمم المتحدة فإن الكثير منهن تحت سن الثامنة عشرة. مما ينتج عن هذا الأمر تركهن عرضة للعنف المنزلي والانقطاع عن متابعة التحصيل المدرسي والعلمي.

السيكودراما: استخدام المسرح في العلاج النفسي

الحياة كلاجئ فيها الكثير من الإذلال ومليئة بالصعاب، سواء في مخيم الزعنري أو في عمان، المكان الذي انتقلت إليه النسوة الممثلات. وبالرغم أن الأردن تلقى المديح على جهوده في استقبال اللاجئين السوريين، إذا ما قورن ذلك مع التمييز الذي يعاني منه السوريون في لبنان، إلا أن اللاجئين غير مسموح لهم رسمياً بالعمل. يجعل الاستغلال اليومي اللاجئين السوريين يعانون من شعور دائم بعدم الأمان وبالتهديد.

يقارب العمل الفني، المسرحي والسينمائي، "ملكات سوريا"، الواقع المذكور آنفاً، بيّد أنه يترك مسألة تناول هذا الواقع للنسوة بما يتناسب وظروفهن وإيقاعهن. خلال البروفات التحضيرية للعمل المسرحي تمثل النسوة مشاهد تظهر عجزهن عن فعل شيء. تتذكر إحداهن حادث حصل لها في سوريا: "دخل خمسة عشر رجلاً ملثماً ومسلحاً. لم يكن بوسعنا أن نبصر من وجوههم غير العينين".

يتوجه كل من العرض المسرحي والفيلم السينمائي معاً للنساء، وكذلك يتحدث باسمهن. وبينما يقرب العمل المسرحي والفيلم السينمائي كفاح المرأة خلال الصراع للجمهور، تخلق البروفات التحضيرية وورشات العمل حيزاً للنسوة لاستكشاف ومعالجة رضوضهن النفسية. المسرح في خدمة العلاج النفسي هذا هو ما نطلق عليه السيكودراما.

 

هيثر ماكروبي

الترجمة من الألمانية: خالد سلامة

حقوق النشر: أوبين ديموكراسي / موقع قنطرة 2016

ar.Qantara.de