مصر من ثورة يناير إلى الإخوان ثم السيسي
كيف عادت مصر إلى العسكريتاريا الشعبوية؟

قمعٌ رفعَ مطالب ثورة 25 يناير إلى إسقاط منظومة مبارك الحاكمة. فصعدَ الإخوان وأفلَ الليبراليون بانتخابات ديمقراطية. لكن الإخوان ليسوا ملائكة بل كغيرهم يقعون في أحابيل السياسة. فأتت احتجاجات 30 يونيو الحاشدة تعبيرا عن فقد الثقة. لكن العسكر استغلوها وانقلبوا على السلطة المنتخبة. وأعاد السيسي مصر إلى حكم العسكريتاريا بإعلام مطبل وتردٍّ اقتصادي وإجراءات قمعية. فرج العشة يحلل سياسة مصر لموقع قنطرة.

على وقع تنوعات "ثورات الربيع العربي" اعتقدت، في البداية، أن "ثورة 25 يناير" المصرية سوف تكون نبراساً رياديا كعادة الدور المصري التاريخي لجهة حذو العرب حذوه والتمثل به منذ مشروع محمد علي التحديثي في بدايات القرن التاسع عشر ثم مشروع النهضة العربية والمشروع القوموي الناصري. في القاهرة بدأت الحكاية بطلائع شبابية تمثل قوى مدنية مثل حركة شباب 6 ابريل وحركة شباب من أجل العدالة والحرية والحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية) والجمعية الوطنية للتغيير والحركة الشعبية الديمقراطية للتغيير.

ضربوا موعداً مع أنصارهم عبر وسائل الاتصال الاجتماعي للتظاهر ضد ممارسات الاستبداد البوليسي أمام وزارة الداخلية في يوم "25 يناير" الذي يوافق الاحتفال الرسمي بعيد الشرطة كي يعبروا عن رفضهم لنظام مبارك البوليسي المبني على ديكتاتورية "دولة الأمن المركزي".

مع الساعات تضاعفت أعداد المتظاهرين حتى ضاقت بهم الشوارع. في البداية كانت الشعارات المرفوعة والهتافات الصائحة ترفع عقيرتها احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية المتردية بمزيد من الفقر والبطالة والغلاء، ومنادين برحيل الحكومة.

مع ازدياد القمع ارتفع سقف المطالب في ميدان التحرير

ثم مع تضخم المظاهرات وانتشارها في عديد المدن المصرية وتدفق الآلاف المؤلفة على ميدان التحرير في قلب القاهرة وأمام ما تعرضوا له من قمع وقتل من طرف قوات الأمن المركزي، ارتفع سقف المطالب بالهتاف:"تونس هي الحل" و"يسقط يسقط حسني مبارك" و"الشعب يريد إسقاط النظام".

السيسي بعد أن أدلى بصوته في انتخابات 2014 – مصر.
شعبية السيسي بدأت بالتآكل وانتخاباته مشكوك في نزاهتها: شعبية السيسي الهائلة بدأت في التآكل منذ عام 2016 بسبب ولعه بإنشاء المشاريع العملاقة (الفرعونية) وتلزيم عقودها الحكومية بشروط مربحة وإعفاء من الضرائب لشركات الجيش التي تمثل اقتصاداً ضخماً موازيا يسيطر على 10% من الاقتصاد المصري، بحسب تصريح رسمي في عهد مبارك ويستخدم المجندين كعمالة أساسية رخيصة في تنفيذ مشاريعه. وقد تضخم بشكل هائل في عهد السيسي الذي أدخل الجيش في شراكات مع مستثمرين أجانب. ورغم تضاؤل شعبيته على نطاق واسع في الطبقة الوسطى والدنيا نجده يفوز بولاية رئاسية ثانية في انتخابات 2018 (المشكوك في نزاهتها) بنسبة أعلى من الأولى بلغت 97.08 % وكمرشح وحيد عمليا بعدما اعتقل القضاء العسكري المنافسين القويين وهما الفريق المتقاعد أحمد شفيق والفريق المتقاعد سامي عنان وانسحاب المنافسين الآخرين لأن "القمع أخلى الساحة من المنافسين الحقيقيين" على رأي أحدهم. ولكي لا يفوز السيسي بالتزكية إذا لم يترشح أحد أمامه، ظهر أو قلّ ظُهِّرَ له منافس [من مؤيديه] في اللحظة الأخيرة ... اسمه موسى مصطفى موسى وهو غير معروف للناس.

ومعروف أن جماعة الإخوان لم تشارك في الإعداد للمظاهرات ولم تقرر الانخراط فيها إلا بعد ثلاثة أيام عندما رأت ضرورة المشاركة بعناصرها في ما عُرف بيوم "جمعة الغضب". وسرعان ما تصدرت قيادات "الجماعة" منصة ميدان التحرير. تنظم عناصرها داخل الميدان في قوة متماسكة منضبطة مطيعة لأوامر قادتها.

كانت جماعة الإخوان بحكم تاريخها الطويل كمنظمة اجتماعية سياسية الأكثر تنظيماً وشعبية. فهي تملك هيكلية متشعبة نشطة تروج لأجنداتها السياسية والدينية من خلال تقديم الخدمات الاجتماعية وتوزيع المساعدات العينية على المحتاجين خصوصاً أثناء كوارث الفيضانات أو الزلازل مما جعلها تحظى بشعبية كبيرة. وقدراتها وخبراتها هذه مكنتها من تنظيم التظاهرات الانتخابية والفاعليات الشعبية الناجحة في حث الناخبين على الإدلاء بأصواتهم لها.

اقرأ أيضًا: مقالات مختارة من موقع قنطرة