معرض "اليهود والمسيحيون والمسلمون" – إرث أوروبا الإسلامي
أطروحة افتراق أوروبا عن الإسلام الملفقة

مقولة "الغرب المسيحي اليهودي" ليست سوى أسطورة تاريخية. فبجولة سريعة عبر رسومات كتب عظيمة خلال ألف سنة قبل ظهور الطباعة، يُبرِز معرض في برلين -اسمه "اليهود والمسيحيون والمسلمون"- دروباً متنوعة للمعرفة العالمية في قرون غابرة. ويفند أطروحة تدعي أن هوية أوروبا الحالية قائمة فقط على موروثات مسيحية يهودية. غوستاف زايبْت يطلعنا على بعض هذه المخطوطات العتيقة بألوانها الزاهية في العاصمة الألمانية.

يجري الحديث منذ سنوات عن "الجذور اليهودية - المسيحية" للغرب، وخصوصاً إذا ما تعلق الأمر بمسألة التفريق بين أوروبا والإسلام. لكن هذا الحديث لا يخلو من نفاق، لأنه يعطي انطباعاً كما لو أن التعايش بين اليهود والمسيحيين، ظل ومنذ ألفي سنة تعايشا أخوياً فقط. كما أنه يخفي واقع أن اليهود بمختلف أطيافهم تمتعوا بحرية أكبر ولقرون عديدية في الامبراطوريات العربية والعثمانية، مما كان عليه الأمر في المسيحية السابقة على الحداثة.

إن هذا العلاقات والروابط التاريخية كانت أكثر تعقيدا وغنى، وهو ما يظهر بوضوح حين نلقي نظرة على تاريخ العلم. ويمكننا أن نتحدث بالتقريب عن هذا التاريخ غير العادي كالآتي: في القرن التاسع عمدت "دار الحكمة" في بغداد العباسيين إلى ترجمة كتب كثيرة في الطب من اليونانية إلى العربية، ومن بغداد وصلت تلك الكتب إلى إسبانيا ومنها إلى الممالك المسيحية، وبالضبط إلى طوليدو.

آلة لتحديد مواقع النجوم. وهذا الإسطرلاب صنعه عالم مسلم في عام 1029 بطوليدو.  Foto: Staatsbibliothek zu Berlin
آلة لتحديد مواقع النجوم: هذا الإسطرلاب صنعه عالم مسلم عام 1029 في طوليدو. لقد ترك الموريسكيون -الذين سيطروا منذ عام 711 على مناطق واسعة من شبه الجزيرة الإيبيرية واستوطنوا بجنوب البلاد حتى عام 1492- كنوزا معرفية كبرى. وإلى جانب الهندسة المعمارية الشهيرة التي يقدمها قصر الحمراء في غرناطة هناك أيضا العديد من المخطوطات.

فهناك تمت ترجمة النسخ العربية عن العلوم اليونانية إلى اللاتينية في أواسط القرن الثاني عشر، وفي حركة هذه الترجمة شارك أيضا بعض اليهود العارفين بالعربية، والذين غالبا ما قدموا ترجمات وسيطة (في الغالب شفوية) إلى اللغات الرومانية الشعبية، ليقوم علماء دين بترجمتها إلى لغة العلم الأوروبية التي كانت تمثلها اللاتينية. وهكذا أصبحت هذه النصوص في متناول كل الأوروبيين وأصبح بالامكان الاستفادة منها في الدرس الأكاديمي في باريس وكولونيا.

تحولات كبرى للعلوم

لقد تحقق انتقال العلوم وفقا لحركة جبارة في المكان والزمان تنطلق من بلاد الرافدين مرورا بشمال إفريقيا وإسبانيا إلى قلب أوروبا، على طريق استدعى عبوره أربعمائة عام، وخلال تلك الرحلة غيرت تلك النصوص لغاتها أربع مرات وفي أقل تقدير ثلاث مرات. وهذه التحولات الكبرى لم تمس فقط العلوم الطبية.

فالطريق نفسها سلكتها الفلسفة القديمة وعلم الفلك والرياضيات وطبعا انتقلت الإضافات العربية -التي أدخلت على هذه العلوم- من الشرق والجنوب إلى الغرب، من خلال صيرورات نقل وشرح للمضامين، وشارك فيها أجيال من المتعلمين.

اقرأ أيضًا: مقالات مختارة من موقع قنطرة