
مفهوم الشريعة في الغرب تطابقات جلية بين الشريعة الإسلامية والقوانين الألمانية
هاتفتني مؤخرا أستاذة قانون وسألتني "هل من الممكن أن تبعث لي بنسخة من الشريعة، ويفضل أن يكون ملف "ب.د.ف"؟: فأجبتها: إنني أخشى من أنه لايوجد عندك سعة تخزين كافية في جهازك. ولكنها رجعت ولمحت لي أنه لديها سعة تخزين على قرص خارجي. لم يبدد جوابها هذا شكوكي.
تظن هذه الباحثة القانونية أن الشريعة عبارة عن كتاب قانون محكم، وهذا هو الرأي السائد. وما يعزز هذا الرأي هو الإرهاب الذي يمارسه "داعش"، الذي يجعل الخوف منتشرا حتى بين أوساط المسلمين.
هذا الخوف هو ماتستخدمه الأحزاب اليمينية الشعبوية في أوروبا الغربية بنجاح، مثلما يظهر في نتائج الانتخابات. ومن الأمثلة الكثيرة على ذلك البرنامج المعادي للإسلام الذي يتبناه حزب البديل من أجل ألمانيا، ففي اختزالية، تعلن هذه الحركة أن الإسلام هو مجرد أيديولوجية وتخفي حقيقة أن فهم "داعش" للإسلام لايتفق معه أغلبية المسلمين.
ولكن في المقابل لا يفيد أن يدعي المسلمون أن الدولة الإسلامية لاعلاقة لها بالإسلام. الإسلام بحد ذاته لايستطيع أن يكون هنا فاعلا في التخفيف من المخاوف. بينما المسلمون هم الذين يمكن أن يكون لهم دور في ذلك، ولا يكفي أن نقول أن أغلب المسلمين محبين للسلام. ولكن أن نبقى صامتين. كذلك لايمكن أن يكون مقنعا أن نلقي اللوم على القوى العظمى وعلى سياساتها التي هي بحق مشكوك فيها. حتى أن القرآن يعتبر أن إلقاء اللوم على الآخرين من عمل الشيطان ويدعو الناس إلى النقد الذاتي والتأمل.

تأويل الإسلام معرفة وليس دوغما
نعم، هناك عنف باسم الشريعة ولكن لا، ليس هناك شيء يسمى شريعة واحدة، وإنما عدة مفاهيم للشريعة، وهي تتغير بتغير ظروف الحياة.
يجب علينا كمسلمين أن نفعل كل مافي وسعنا من قول أو عمل لمقاومة المفاهيم المحتقرة للإنسانية والبعيدة عن الواقع. وأنا أتفق مع نافيد كرماني الذي يعتبر مثل هذه المفاهيم خرقا للإسلام وليس امتدادا لها.
إن الفهم التقليدي للعقوبات في الإسلام، لايتسم بتلك العقوبات القاسية التي يمارسها "داعش" أو المملكة العربية السعودية أو ايران. إن العقوبات الجسدية، كانت في الأزمنة السابقة هي العقوبات السائدة. لكن الإسلام جاء ليقننها ويضع لها شروطا، بحيث يجعلها تكون صعبة التنفيذ.
فقد اعتمدوا القاعدة الشرعية التي تقول إن الأصل هو البراءة ولا يمكن إزاحتها من خلال دليل ظني وهذا يتطابق مع القواعد القانونية المتبعة حاليا في ألمانيا. وقد حذر النبي محمد من أن يحكم القاضي بالعقوبة بدليل خاطئ واعتبر أنه من الأفضل أن يخطئ القاضي في حكم البراءة.
إن القراءة التقليدية لأحكام الإسلام محكومة بتقاليد علمية صارمة وبعقلانية عملية ومنهجية. ومن هذا المنطلق وليس من منطلقات دوغمائية ممأسسة، أصبح من الراسخ في فكر غالبية الفقهاء أن الفهم المطلق للشريعة بيد الله فقط. وهذا يعني أن باب الاجتهاد مفتوح للبحث عن القيم الإلهية في مجال المعاملات الإنسانية.
هذا البحث الإنساني يستند على احتمالات تسترشد بالنص الإلهي وليس على قانون إلهي في القرآن والسنة، فكانت نتيجته ظهور عدة مدارس ومذاهب فقهية تتنافس وتتعايش ويعترف بعضه ببعض.
الجماعات المتطرفة، التي كانت موجودة في العصورة المبكرة للإسلام، مثل الخوارج، الذين يرون في فهمهم لشريعة قانون إلهي مطلق، يمكن اعتبارهم نسخة قديمة عن "داعش". لكن هذه المجموعات كان ينقصها وسائل الإقناع المنطقية. حتى أن الخليفة علي بن أبي طالب كشف سذاجة منطق هؤلاء. فالخوارج اتهموه بمخالفة الشريعة الإلهية، لأنه ترك موضوع تعيين الخليفة للاجتهاد الإنساني ولم يفرض نفسه بالقوة.