هل مات الحوار بين الشرق والغرب؟

هناك علاقات ثقافية تقليدية تربط ألمانيا بإيران ظلت قائمة بعد الثورة الإيرانية. ,لكن يبدو أن الحوار بين الطرفين وصل الآن إلى طريق مسدود.تقرير عن اجتماع في "مركز حوار الحضارات بطهران"

هل مات الحوار بين الشرق والغرب؟

هناك علاقات ثقافية تقليدية تربط ألمانيا بإيران ظلت قائمة بعد الثورة الإيرانية. لكن يبدو أن الحوار بين الطرفين وصل الآن إلى طريق مسدود.تقرير عن اجتماع في "مركز حوار الحضارات" بطهران

"إنني أرى أن حوار الحضارات قد مات" هذا ما قاله أودو شتاينباخ في محاضرته بالمؤتمر الألماني-الإيراني الذي انعقد في الفترة من الرابع عشر إلى الخامس عشر من أيار/مايو 2003 بمركز حوار الحضارات بطهران. وقد عبر أودو شتاينباخ مدير معهد الشرق في هامبورغ بكلماته هذه عن الانطباع الذي يمكن به لمراقب محايد أن يخرج به من هذا اللقاء. ففي هذا الاجتماع لم يكن هناك ولا حتى مجرد الاستعداد لحوار جاد، صحيح أن كل المشاركين قد أجهدوا أنفسهم بالحديث، لكن كلماتهم كانت مجرد كلمات رنانة، وخيم على المؤتمر جو ثقيل، لم يفارقه للحظة.

ولذلك أسباب متنوعة، ويُرجع اودو شتاينباخ ذلك إلى السياسة الأمريكية الأحادية وعجز الأوروبيين عن إثبات ثقلهم السياسي المستقل في السياسة الخارجية. وقد أشار الكثيرون إلى هذا التطور منذ زمن بعيد، وتم التثبت منه بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر. لكن أجواء ما بعد الاعتداء مازالت مسيطرة على العالم الإسلامي، وحاليا لا يوجد سوى الجمود. هذا الجمود يتبدى واضحا في المؤتمر الذي عقده المركز الإيراني لحوار الحضارات، والذي قام قبل عشر سنوات-حسب قول أودو شتاينباخ- بممارسة دور جوهري وحيوي وتناول موضوعات متميزة، كقضية حقوق الإنسان على سبيل المثال.

لكن في الوقت الذي علل فيه شتاينباخ موت حوار الحضارات بعوامل سياسية-دولية، تهرب من لب المشكلة ومن الإمكانيات المطروحة لتحسين الوضع، وكذلك فعل من سبقوه بالحديث. فهؤلاء تحدثوا على عكس شتاينباخ من منطلق أن الحوار مازال على قيد الحياة. فمثلا تحدث الكثيرون من ممثلي الجامعات الألمانية والإيرانية عن ضرورة التبادل الطلابي وأهميته لهذا الحوار، ورغم ذلك لم يتحدث أحد عن أنه لم يوجد أبدا تبادل طلابي حقيقي بين ألمانيا وإيران، فبغض النظر عن بعض طلاب اللغات الشرقية، ليس هناك أي طلاب ألمان لديهم الرغبة في الدراسة في إيران، وبالنسبة للإيرانيين تعد الدراسة في ألمانيا شيئا جذابا. لم يتحدث أحد عن هذه الحقيقة البسيطة. ومن هذا المنطلق لم يناقش أحد متطلبات الجامعات الألمانية من الطلاب الإيرانيين الذين يرغبون في الدراسة بألمانيا وما هي المعايير والشروط التي يتوجب على الجامعات الإيرانية الوفاء بها لإعداد طلبتها للدراسة في الخارج. والخلاصة أنه حتى التبادل الطلابي الأحادي الجانب، لم تتم مناقشته بتعمق في المؤتمر، بل بالأحرى حاول المشاركون إعاقة مثل هذا الحوار، لأنهم لم يرغبوا في مناقشة ما هو ضروري لذلك.

وحتى لو كانت المناقشات في الماضي أكثر إثمارا، كما يزعم شتاينباخ، فلا بد للمرء أن يسأل نفسه، نظرا لما آل إليه اليوم تصور "حوار الحضارات"، إن لم يكن هذا التصور طوال الوقت وهما. حوار الحضارات الذي روجت له إيران منذ بداية التسعينات ضمن سياستها الانفتاحية، يتطلب نوعا من التناظر والتساوي بين أطراف الحوار، وهذا التناظر والتساوي لم يكن موجودا أبدا. فالتفوق الاقتصادي والعلمي للغرب كان يعطي دائما شعورا مقبضا. إضافة إلى العوامل السياسية التي تلغي مثل هذا التناظر من أساسه في المجال الثقافي. يتعلق الأمر هنا في المقام الأول بحرية التعبير عن الرأي وبالتالي وجود صحافة حرة وأدب حر. فبدون هذه الحريات لا يمكن وجود حوار مفتوح. وأملا في أن توجد هذه الحريات في القريب العاجل بفضل عملية الإصلاح السياسي في إيران، أمكن في منتصف التسعينات المطالبة بهذه الحريات بوصفها شرطا لبدء الحوار. لكن هذه الآمال خابت في الوقت الحالي.

أصيبت عملية الإصلاح في إيران بالجمود، بل لقد تمت مراجعتها بشكل ما. ولا يمكن أن يكون هناك حوار، عندما يكون هناك طرف واحد قادر على التحدث بحرية، ونعني هنا الغرب، دون الطرف الآخر. والحقيقة المحزنة التي نخرج بها من مؤتمر طهران هي أنه من العبث التمسك بالمصطلح الرنان عن الحوار الثقافي مع إيران. لا بد أن نكون أكثر تواضعا وأن نكتفي بالتعاون مع إيران في مجالات محددة كالتبادل الطلابي مثلا. أما الحوار الثقافي فلا بد من تأجيله حتى يتمكن الإيرانيون من الحوار معنا على نفس المستوى حول تصوراتهم عن الحوار وليس عن تصور النظام الحاكم عنه.

بقلم شتيفان فايدنر، رئيس تحرير مجلة فكر وفن
ترجمة أحمد فاروق

المزيد عن مركز حوار الحضارات على الرابطة التالية:
http://www.dialoguecentre.org