"العلاقات المتوترة تزعجنا"

أثار القرار الذي اتخذته لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي حول اعتبار الجرائم التي ارتكبت بحق الأرمن في الإمبراطورية العثمانية "إبادة" السخط الشديد داخل تركيا. في هذه المقابلة يعلن بطريرك الأقلية الأرمنية في تركيا ميسروب الثاني هو الآخر رفضه للقرار الأميركي.

بطريرك الأقلية الأرمنية في تركيا ميسروب الثاني
بطريرك الأقلية الأرمنية في تركيا ميسروب الثاني

​​

اسطنبول مدينة دائمة التغير. هل تحبون هذه المدينة؟

ميسروب الثاني: لقد تغيرت صورة حيّ كومكابي الذي يوجد فيه مقر البطريركية إلى حد كبير. وأتى إليه كثير من المهاجرين من جنوب شرق الأناضول، ولم يعد الحيّ كما كان. ولكني لا أستطيع الإبتعاد عن اسطنبول، فأينما كنت أود دائما الرجوع إليها.

ما هو وضع البطريركية الأرمنية في اسطنبول بين الكنائس الأرثوذكسية العالمية؟

ميسروب الثاني: توجد ثلاثة وعشرون بطريركية على مستوى العالم، ونحن إحداها. والبطريركية الأرمنية في اسطنبول معترف بها سواء على المستوى العالمي أم على مستوى الديانات الأخرى.

هل لاحظتم تغيرا سلبيا من الناحية الاجتماعية والثقافية على اسطنبول في السنوات العشر الماضية؟

ميسروب الثاني: لم يعد الوضع كما كان سابقا. لقد نشأت في منطقة تقسيم، وفي "محلتنا" كانت جميع الأقليات تعيش في سلام مع بعضها البعض، سواء أكانوا يهودا أو يونانا أو أرمن أو أتراكا. وكان كل واحد يحيي الآخر بلطف، والناس يحتفلون بالأعياد سوية. من هذه الناحية تغير الوضع إلى الأسوأ.

ما هو رأيكم كرجل دين في الإسلام السياسي؟ هل ممكن أن يوجد إسلام معتدل؟

ميسروب الثاني: إن جوهر الديانة لا يمكن أن يتغير. وليس هناك ما يسمى بالإسلام المعتدل أو غير المعتدل. ولكن عندما يحاول المرء تسييس الديانة فإنه يحط من قدرها، ومن ثم تبدأ في الغطرسة وقهر الناس. كما تمارس الديانة المهيمنة ورجالها السلطة ضد الديانات الأخرى.

أيسري التسييس فقط على الإسلام؟

ميسروب الثاني: لقد خضعت المسيحية أيضا للتسييس في الماضي، وليست الحروب الصليبية سوى مثال على ذلك. وهذا يعني أن ماضي المسيحية ليس "خاليا من الشوائب".

هل هناك فروق كبيرة بين الديانات الكبيرة ذات الكتب السماوية؟

ميسروب الثاني: من حيث الجوهر لا توجد فروق كبيرة بين الأديان الثلاثة الكبرى، كما أن تعاليمها الأساسية لا تختلف كثيرا عن بعضها البعض.

هل تنجم المشاكل فقط بسبب التفسيرات المختلفة؟

ميسروب الثاني: إذا قام المرء بتسييس الديانة نتجت المشاكل، وغياب محاولات الحوار تسبب المشاكل أيضا.

هل توجد في تركيا حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية؟

ميسروب الثاني: إننا نستطيع استخدام دور العبادة متى وكيفما أردنا، ولا أحد يملي علينا شيئا، وفي هذا الخصوص نتمتع بحريتنا.

ما الذي تغير منذ تشكيل حزب العدالة والتنمية للحكومة؟

ميسروب الثاني: إنني ألاحظ كما أكرر دائما زيادة تدهور الأوضاع، حيث تنتشر في تركيا موجة التعصب أكثر فأكثر. ولنأخذ على سبيل المثال عملية اغتيال المخالفين في الفكر والعقيدة، مثل اعتداءات ملاطيا أو اغتيال هرانت دنك أو اغتيال القس سانتونو. كل هذا يبين موجة التعصب الحالية في تركيا. إنني أردد دائما "هذه ليست تركيا".

البعض يخافون على العلمانية، هل لديكم مثل هذه المخاوف؟

ميسروب الثاني: أظن أن العلمانية لا يمكن أن تُلغى في تركيا، وحتى إذا حاول أحد ذلك فلن يفلح. إن جذور العلمانية نبتت في تركيا (الأتاتوركية) القديمة، ولا أعتقد بإمكانية إقدام أحد الأحزاب على إلغائها، ونحن نشأنا وسط تعاليم العلمانية. إن الدولة لا يجوز لها أن تتدخل في الشؤون الدينية، وينبغي عليها أن تظل محايدة تجاه جميع المعتقدات.

ولكن إلى أي مدى تلتزم الدولة بذلك؟ هناك وزارة خاصة بالشؤون الدينية، وهذا يعني أن الدولة في الحقيقة لها موقف معينi

إذا فهناك ديانة رسمية، أي الإسلام ...؟

ميسروب الثاني: هناك بالفعل وزارة لهذا الشأن، وهي تقوم بتمويل جميع فقهاء الدين الإسلامي. إلا أنه من ناحية أخرى لا تحصل الجماعات الدينية الأخرى على أي تمويل. إنني أتمنى وجود مؤسسة تساوي بين جميع الأديان في التعامل.

تعتبر البطريركية الأرثوذكسية اليونانية مسؤولة عن جميع الكنائس الأرثوذكسية. هل تندرج الكنيسة الأرمنية تحت ذلك؟

ميسروب الثاني: إننا نتبع الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية، وبالنسبة لنا لا يعتبر البطريرك اليوناني الاسطنبولي (برثلماوس الأول) بطريركا عاما للجميع، وكنائسنا لا تطالب بمثل ذلك. إننا كنيسة مستقلة لا نتبع كرسي أحد المطارنة.

ما هو الفرق بين الأرثوذكس الأرمن والأرثوذكس اليونان؟

ميسروب الثاني: إننا نتبع الكنيسة الشرقية. والكنيسة الآشورية والاثيوبية والهندية والقبطية والأرمنية تشكل عائلة واحدة. وقد حاولت هذه الكنائس الدفاع عن نفسها ضد الإمبراطورية البيزنطية، واستطاعت الحفاظ على هويتها. ومن بينها تأسست الكنيسة الأرمنية عام 301، أي قبل الإمبراطورية البيزنطية بكثير.

إنكم تعيشون في مجتمع إسلامي، هل واجهتم أية صعوبات في الحوار مع المواطنين؟

ميسروب الثاني: لا، كل الآشوريين والأرمن لا مشكلة لديهم مع الموطنين الأتراك. إنهم مندمجون مع بعضهم البعض. والأرمن يعيشون مع الأتراك، وبهذا فليست هناك صعوبات في الحوار.

من الملفت للنظر أن الدوافع وراء القيام بالاعتداءات الأخيرة ضد المسيحيين واهية وساذجة. هل يمكن أن نقول بأن أسلوب التربية التركية تنقصه بعض اللبنات الجوهرية التي تساعد على التفاهم المتبادل؟

ميسروب الثاني: بالطبع هناك قصور في أسلوب التربية. إن من يعرف اسطنبول فهو أيضا على دراية بالتاريخ ويعلم جيدا أن الأقليات جزء من المدينة. وعلى الجانب الآخر فدائما ما يوجد في الكتب المدرسية والكتب الدينية تسميات ومصطلحات تحريضية ضد غير المسلمين، مثل "كفار" أو "وثنيين". مثل هذه الأوصاف تعتبر بالطبع مزعجة.

هل تودون الحصول على وظيفة أستاذ في جامعة اسطنبول من أجل إصلاح هذا الخلل في التربية؟

ميسروب الثاني: نعم، ولكنني لا أريد ذلك لنفسي فقط ولكن للآخرين أيضا. مثل هذه الأستاذية ينبغي أن تكون معنية بجميع المعتقدات الأخرى. هناك كلية لأصول الدين الإسلامي، وقد أردت الحصول على وظيفة أستاذ فيها. بهذا يستطيع كل من يريد الإستعلام عن ديانة أخرى الحصول على المعلومات المطلوبة من أهل الخبرة. وهذه الأستاذية ستكون عامة وتحت تصرف الطالب التركي المسلم. إنني كنت أطالب بأستاذية عامة للجميع.

هل بإمكانكم تحقيق هذا المطلب؟

ميسروب الثاني: لا بد من ذلك لأننا نحتاج في مدارسنا إلى قساوسة ومدرسي لغة. لهذا فإننا بحاجة إلى وظيفة أستاذ في علم اللاهوت وعلوم اللغة.

ما رأيكم في كلية اللاهوت الموجودة في جزيرة هايبيلي؟ ألم تكن هذه الكلية إحدى أمنيات البطريركية اليونانية؟

ميسروب الثاني: إن ما أطالب به يتضمن أيضا هايبيلي، وكلية اللاهوت في جزيرة هايبيلي تندرج أيضا تحت منصب الأستاذية.

لماذا لا يلقى شيء مثل هذا ترحيبا في تركيا؟

ميسروب الثاني: هذا ما لا أفهمه.

هل يتعلق الوضع بالتمييز العنصري ضد الأقليات؟

ميسروب الثاني: كان هناك مشروع قرار بهذا الخصوص من قِبل المؤسسات الخاصة بالأقليات. هذا المشروع تم رفضه قبل فترة قصيرة على يد رئيس الجمهورية السابق أحمد نجدت سيزار. وذُكر في أسباب الرفض أنه "عندما تنال الأقليات حقوقا كثيرة فسوف تطالب بالمزيد". هكذا يتصور المرء أن جميع الأقليات في تركيا أعداء، ومن الممكن أن يغدروا بنا في أي وقت. يسود في تركيا خوف من الأقليات، والرفض من قبل الرئيس السابق يقوي هذا الخوف. إنني أشعر بأن المرء يتعامل مع الأقليات كـ"أعداء في الداخل".

ماذا يزعج الجالية الأرمنية في تركيا؟

ميسروب الثاني: يزعجنا في المقام الأول طريقة التعامل مع موضوع "الإبادة الجماعية"، وهذا ما يثقل العبء على علاقاتنا مع تركيا. وكل من أرمينا وتركيا لن تغير من موقفها الجغرافي، وكل من البلدين متمسك بوجهة نظره، وهذه العلاقات المتوترة تزعجنا. إنه لمن المهم بالطبع أن تعترف أرمينيا بالحدود التركية، وعلى الأقلية أن تعي أن الجدل الحالي حول "الإبادة" يضر بالعلاقات التركية الأرمنية.

من سيحكم عما إذا كان الوضع يتعلق من الناحية التاريخية بـ"الترحيل" أم "الابادة"؟

ميسروب الثاني: هنا اقترح رئيس الوزراء اردوغان أن يجتمع مؤرخون أرمن وأتراك ومحايدون ليدرسوا حقيقة الأمر مع بعضهم البعض. هذا الموقف أجده غاية في الإيجابية، إلا أن الجانب الأرمني يرفضه لعدم وجود ما يدعو للمناقشة على حد زعمه.
وإذا كنا بصدد الحديث عن العلوم فيجب على المرء أن يكون مستعدا للحديث عن كل شيء. من هذه الناحية أظن أن الجانب الأرمني لا يتمتع بالمرونة.

ما رأيكم في "المشوار الأوروبي" لتركيا؟

ميسروب الثاني: إن الإندماج مع أوروبا يعتبر بالنسبة لنا من الأهمية بمكان. وإنني على يقين أنه من خلال ذلك سوف يُعاد النظر في كل القوانين في تركيا، ومن ثَم سوف تصبح تركيا بلدا ديمقراطيا بالفعل. لهذا أحبذ الانضمام إلى الإتحاد الأوروبي. وإنني لأجد غرابة شديدة في رفض دول مثل فرنسا وألمانيا. وأرى أنهم محتاجون إلى تركيا، خاصة كشريك عسكري قوي.

هل تعتقدون أن تركيا يمكن أن تصبح في القريب العاجل عضوا في الإتحاد الأوروبي؟

ميسروب الثاني: ليس في القريب العاجل، ولكن يوما ما ما لم تيأس تركيا.

أجرت الحوار هوليا سنجك
حقوق الطبع قنطرة 2007

قنطرة

الأقلِّيات في تركيا
لم تنجح تركيا حتى اليوم في حل الكثير من القضايا الثقافية المتعلقة بحقوق الأقليات، فهي لا تعترف إلا ببعض الأقليات "غير المسلمة" أما الأقليات المسلمة من غير الأتراك فتنكر عليهم معطم حقوقهم الطبيعية وتعتبرهم مجرد مواطنين أتراك. تقرير من سميران كايا.

الاتحاد الأوربي وتركيا
ملف شامل يناقش العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوربي من جهة والعلاقة بين تركيا والعالم الإسلامي من جهة أخرى،