حول الهجرة في المجتمعين الألماني والمصري

كيف يتعامل المجتمعان الألماني والمصري مع ظاهرة الهجرة الداخلية والخارجية؟ سؤال ناقشه علماء مصريون وألمان في مؤتمر نظمه معهد غوته بالاشتراك مع جامعة القاهرة. تقرير نيللي يوسف

تحدثت كارين شونفيلدر مديرة موقع العمل المسمى "النزاعات الحضارية والاندماج الاجتماعي" في مركز برلين للعلوم وأبحاث الاجتماع عن بعض الأرقام تخص الهجرة في ألمانيا وقالت بأنها دولة يغلب عليها طابع المهاجرين بوجود 15مليون مهاجر بها أي ما يعادل خمس تعداد السكان من الأجانب، ولذلك فالمجتمع الألماني على حد قولها مجتمع غير متجانس ومتعدد القوميات والعرقيات.

وهناك أكثر من 62 ألف طالب وطالبة من الألمان يدرسون بالخارج، ويدرس في ألمانيا من الأجانب حوالي 100 ألف من الطلاب أغلبهم من الصين ثم دول أوروبا الشرقية ثم الدول الأفريقية وفي مقدمتها المغرب وتونس، وحوالي ألف طالب مصري يدرسون في ألمانيا ويفضل بعضهم البقاء بعد ذلك إلا أنهم يواجهون مشكلات البقاء دون تصريح بذلك.

وأما الطلاب الألمان فغالبا ما يذهبون إلى الولايات المتحدة الأمريكية، سويسرا وفرنسا ويلعبون دورا كبيرا في التشابك وخلق العلاقات بينهم وبين دولهم والدول المضيفة، فهناك اتصالات متنوعة عابرة للحدود والمجتمعات.

انتشار المهاجرين في أنحاء ألمانيا

وأشارت شونفيلد إلى أن المجتمع الألماني يشهد نموا في حالات الزواج بين الألمان والأجانب ينتج عنها أطفال ثنائي القوميات، وغالبا ما يتزوج الرجال الألمان من سيدات روسيات ومن تايلاند، بينما تفضل الألمانيات الزواج من رجال أتراك أو إيطاليين، بالإضافة لحالات قليلة لأزواج من الدول العربية.

وتحدثت عن دراسة قام بها فريق بحثي في ألمانيا لبيان ما إذا كانت مجموعات المهاجرين الوافدة تعيش مع بعضها في انعزال يشبه "الغيتو"، الأمر الذي قد يؤدى إلى حدوث صراعات ومعوقات في الاندماج وهو التخوف السائد في ألمانيا، إلا أن نتائج فريق البحث أظهرت أن هذا الخوف لا مبرر له لأن الأجانب موزعين بشكل كبير في أغلب أنحاء ألمانيا، مما يعني أن هناك نوعا من التعايش.

وأشارت الباحثة إلى أن التعايش ينتج عن طريق القيم المشتركة مثل فكرة الحياة الجيدة والديمقراطية ولكنها ترى أن المهاجرين يريدون الحصول على الجنسية الألمانية وبرغم ذلك لا يشتركون في الانتخابات، مشيرة إلى ضرورة أن يدركوا أهمية الإدلاء بأصواتهم ولابد أن يندمجوا أيضا.

الهجرة غير الشرعية

ثم تحدث عبد المنعم المشط أستاذ العلوم السياسية ورئيس مركز الأبحاث والدراسات السياسية بجامعة القاهرة عن ما ذكرته المتحدثة الألمانية حول التأثيرات السلبية بعد 11 سبتمبر/أيلول 2001 على الهجرة من البلدان العربية والإسلامية إلى أوروبا وأمريكا، والتي أدت لتنمامي ظاهرة "الهجرة غير الشرعية" التي تعد قضية هامة جدا في مصر هذه الأيام، حيث أخبار توافد نعوش الشباب المصري الذي يهرب من البطالة والفقر ويلاقي حتفه أثناء خلال محاولته الوصول إلى دولة من الدول الغربية، أصبحت تتصدر صفحات الصحف ومع ذلك فإن أعداد الحالمين بالهروب إلى أوروبا مازالت في تزايد مستمر، حسب قوله.

الأمر الذي يتطلب من وجهة نظره معالجة حقيقية لمشكلة الهجرة غير الشرعية لا تعتمد فقط على المواجهة الأمنية وإنما تمتد لتشمل تغيير السياسات الاقتصادية الحكومية التي تدفع بالشباب إلى المخاطرة بحياتهم بحثا عن فرصة عمل تنقذهم من شبح البطالة.

الهجرة الداخلية

ووجه المشط الأنظار إلى أن المصريين يعيشون على حوالي 5% فقط من المساحة المصرية نظرا للهجرة الداخلية على عكس ما يحدث من أشكال الهجرة في بلاد العالم من انتقال الناس من مناطق مزدحمة وكثيفة السكان إلى مناطق نادرة السكان للاستفادة من الموارد الموجودة بها.

فالهجرة الداخلية في مصر تأتي من ريف قليل السكان للمدن الكبرى كثيفة السكان لعدة أسباب معظمها اقتصادية وليست سياسية لوجود الخدمات في المدن، كما أنهم لا يندمجون على الإطلاق في حياة المدينة أي أنهم مهاجرين جسديا فقط إلى المدن ولكن ليس ثقافيا وسياسيا أو اجتماعيا.

كما أشار إلى أحدث دراسة أكدت أن 40 % من سكان القاهرة يعيشون في عشوائيات وهم أغلبهم من المهاجرين من الريف للمدينة.

ترييف المدن

كل هذه العوامل أدت لترييف المدن أي انتقال لمظاهر الريف للمدينة بقوة وليس العكس. ويؤدى ذلك أيضا إلى ظاهرة التهميش السياسي لهؤلاء المهاجرين لأنهم لا يلعبون أي دور سياسي أو اجتماعي، كما أنهم محرومون اقتصاديا من الثراء وخدمات الدولة وكل هذه العوامل تؤدي لسهولة تجنيدهم في اتجاهات فكرية معادية للمدن والنظام السياسي.

فهذه الهجرة كانت سبب من أسباب انتشار العنف المسلح في المجتمع المصري، على حد قوله. أما الهجرة للخارج فهي ظاهرة حديثة بدأت في القرن العشرين مع ظهور النفط في الخليج العربي ثم اتجهت لأوروبا والولايات المتحدة. وأسبابها ليست اقتصادية فقط كما هو واضح ولكن ورائها أسباب سياسية أيضا، فالهجرة لأمريكا وأوروبا وأستراليا بدأت في الخمسينيات من القرن الماضي. وبدأت بهجرة الأقباط للدول الأوروبية والمسلمين للبلاد الأقرب ثقافيا وهي دول الخليج.

وأشار عبد المنعم المشط إلى أن المصريين الذين هاجروا لأمريكا وأوروبا وأستراليا هم من أكثر الناس تفوقا مهنيا، ولكن السؤال الذي طرحه هو هل اندمجوا في هذه المجتمعات وخاصة أنها هجرة دائمة بقصد الاستقرار والتجنس على عكس الهجرة الخارجية المؤقتة التي تذهب لدول الخليج ليس بنية الاستقرار أو التجنس لأنه حتى قوانين هذه الدول تمنع ذلك؟

وأكد أن عددا كبيرا من المهاجرين لا يعرفون أي شيء عن الدولة المضيفة ويحصلون على معلومات مشوهة إما من المسلسلات ووسائل الإعلام أو من الأقارب والأصدقاء ذوى الخبرات المختلفة. وأشار عبد المنعم إلى عدم توافر إحصائيات للمصريين في الخارج عكس الألمان الذين لديهم إحصائيات دقيقة عن الهجرة.

نيللي يوسف
حقوق الطبع قنطرة 2007

قنطرة

الحلم بالحياة في أوربا
بشتى الحيل يسعى شباب مصريون إلى السفر إلى إيطاليا أو إنكلترا من أجل العمل والإقامة. الصحفية مونيكا برغمان التقت ببعض منهم في الإسماعلية، البعض فشل في تحقيق حلمه وآخرون يفتخرون بالثروة التي جمعوها في الغربة

الحدود المغلقة
يواجه اللاجئون الذين يحاولون الوصول الى بلدان الاتحاد الأوروبي أوضاعا كارثية، حيث يتعرض الكثيرون منهم الى مختلف المخاطر في البحر او في البلدان التي يمرون بها. أما الاتحاد الأوروبي فيحاول رمي المشكلة الى خارج حدوده. تقرير كتبه كارل كوب

الهجرة في العلاقات بين أوربا والمغرب
بينما كان المغرب في النصف الأول للقرن العشرين بلدا يستقبل المهاجرين أصبح حاليا بلدا يهاجر منه الآلاف صوب دول الإتحاد الأوروبي. بقلم محمد خشاني

مشروع دولي ـ مصري لتنمية حي الدرب الأحمر
يشهد حي الدرب الأحمر الواقع في قلب القاهرة القديمة مبادرة متميزة من مؤسسة أغا خان، الصندوق المصري السويسري للتنمية، بنك التعمير الألماني ومؤسسة فورد ومحافظة القاهرة بهدف تنميته وخاصة أنه يعد من أفقر مناطق القاهرة وأكثرها ازدحاما.