حين تحل الهستيريا محل الموضوعية

في الوقت الذي يدور في في ألمانيا جدل حول الحجاب وبناء المساجد ويُنشر فيها كتاب معاد للإسلام يحقق أعلى المبيعات، يعلن الرئيس الألماني أن الإسلام ينتمي إلى ألمانيا، لكن دون تمكنه من إقناع جميع الألمان بهذا القول؛ ليبقى الجدل حول الإسلام من الأمور الجدلية للغاية. كيرستن كنيب تستعرض خلفيات هذا الجدل وطبيعته.

الصورة د.ب.ا
"حسب زاراتسين فإن أغلب المسلمين لديهم قيم مغايرة لقيم الألمان، وأنهم يثمنون الرب أكثر من دولة القانون والديمقراطية"

​​ تيلو زاراتسين، السيناتور المالي السابق لولاية برلين وعضو مجلس إدارة البنك المركزي الألماني حتى وقت قريب، ألف كتاباً كان الأعلى من حيث المبيعات. وحمّل في كتابه، الذي جاء تحت عنوان "ألمانيا تلغي نفسها"، بشكل خاص الإسلام وهجرة المسلمين غير المسيطر عليها إلى ألمانيا مسؤولية المستقبل السيئ الذي تنبأ به لهذا البلد. وبحسب زعمه فإن أغلب المسلمين لديهم قيم مغايرة لقيم الألمان، وأنهم يثمنون الرب أكثر من دولة القانون والديمقراطية. وبحسب رأيه، فإن هذا الأمر يمثل سبباً في إلغاء ألمانيا لنفسها على المدى الطويل، إذا لم يكن هناك جدل فعال حول الهجرة والاندماج.

ألمانيا كبلد هجرة

إن هذه الأطروحات تجد الكثير من الأصداء، لكن في الوقت ذاته واجه زاراتسين الكثير من الاعتراضات أيضاً، بحسب أستاذ علم الاجتماع في جامعة أوزنابروك ميشائيل بوميس، الذي يشير أيضاً إلى أن الجدل الذي يدور في الوقت الحالي حول موضوع الإسلام يوضح أن أغلب الأشخاص لم يفهموا بعد أن ألمانيا أصبحت منذ وقت طويل بلد هجرة يتمتع بتنوع في التصورات والقيم المعقدة تبعاً لذلك.

ويضيف بوميس قائلاً إنه "من خلال الهجرة من دول العالم المختلفة وصلت إلى أوروبا ديانات مختلفة ومنها الإسلام". وتبعاً لذلك يتوجب على المسلمين ومواطني الدول الأوروبية أيضاً التكيف مع هذا الأمر، إذ يجب إعادة تحديد العلاقة بين السياسة والقانون والدين مجدداً. وطالما تم إيجاد صيغ توافقية لهذه العناصر الثلاثة مراراً. ويرى بوميس أن هذا الأمر أصبح حاجة ملحة الآن من خلال الإسلام.

خوف من الحجاب والمساجد

الرئيس الألماني، كريستيان فولف، الصورة د.ب.ا
رغم إعلان الرئيس الألماني أن الإسلام ينتمي إلى ألمانيا، إلا أنه لم يتمكن من إقناع جميع الألمان بهذا القول

​​ إن الكثير من المواطنين الألمان يشعرون بالقلق لأنهم يرون أن نمط حياتهم أصبح موضع تساؤل من خلال وجود الإسلام. وبشكل خاص يصيبهم حجاب النساء المسلمات ونقابهن بالحيرة، ويتساءلون ما إذا كانت تلك النسوة يعانين من الاضطهاد. وهذه المخاوف تبدو جلية أيضاً في نتائج دراسة نشرتها مؤخراً مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية. ويتحدث أوليفر ديكر، الذي أشرف على الدراسة، عن "تزايد ملحوظ للغاية، من نسبة 34 في المائة إلى ما يزيد عن نصف سكان ألمانيا، الذين يؤيدون التصريحات المعادية للإسلام". كما أن الكثير من الألمان ينظرون بارتياب إلى بناء مساجد جديدة، بحسب الباحث الألماني.

ولكن ما هو سبب هذه الأرقام السيئة التي يُقيم بها الإسلام؟ يعتقد أستاذ الدراسات الإسلامية دافيد كيرماني أن الألمان يرون في الإسلام تهديداً لهويتهم. ويوضح كيرماني أن الهوية تتكون من خلال انعزال المرء عن الفئات الأخرى، وأن كل فئة اجتماعية تعرف نفسها من خلال اختلافها عن الفئات الأخرى. لهذا السبب تتأتى حالة التحفظ على الإسلام، إذ يبدو للمواطنين الغربيين غريباً للغاية بسبب رموزه غير المألوفة بالنسبة إليهم. ويرى الخبير الألماني أن عملية التهميش نفسها تعد طبيعية تماماً. لكن الإشكالية في هذه العملية تبدأ حين يُعلن الآخر عدواً.

نقاش سطحي بعض الشيء

كرماتكرماني، الصورة د.ب.ا
الجدل جول الإسلام لا يأتي من فراغ، لأنه يعلل حقيقة أن الدين في منطقة الشرق الأوسط نفسها اتخذ قوة إضافية مجدداً، وهذا ما يُلاحظ في ألمانيا هي الأخرى، كما يقول دافيد كرماني.

​​ وفي ضوء هذا فإن النقاش حول الإسلام ليس من الأمور البشعة، لأنه يعكس بشكل خاص الصراع حول فهم جديد للذات في ألمانيا والمصاعب المرتبطة بتحول ألمانيا إلى بلد للهجرة. لكن هذا الجدل يدور بشكل سطحي للغاية غالباً، كما يرى أستاذ العلوم السياسية كلاوس لانغفي، إذ إن أغلب الأشخاص لا يميزون بين تيارات الإسلام المنفردة إلا بشكل قليل، كما أنهم لا يلاحظون بشكل كاف أيضاً الفوارق بين المسلمين المعتدلين وأولئك المتطرفين، كما يرى لانغفي. ويقول الخبير الألماني: "أعتقد أن أغلب الأوروبيين يكونون صورة آلية عن الإسلام"، ويضيف لانغفي قائلاً إن من الأمور المثيرة للدهشة أن الأوربيين، الذين سافروا حول العالم وعرفوه جيداً والذين يطلقون أحكامهم بروية وموضوعية حول جميع القضايا الأخرى، يطلقون أحكاماً سطحية ومتسرعة إذا ما تعلق الأمر بالإسلام.

غير أن الجدل حول الإسلام لا يأتي من فراغ، لأنه يعلل حقيقة أن الدين في منطقة الشرق الأوسط نفسها اتخذ قوة إضافية مجدداً، وهذا ما يُلاحظ في ألمانيا هي الأخرى، كما يقول دافيد كرماني. وبحسب أستاذ العلوم السياسية تكمن المشكلة في أن الكثير من المشاكل في العالم الإسلامي نفسه يُنظر إليها من منظار ديني. ولسنوات عديدة لم يكن للدين أي دور هناك في القضايا السياسية، لكن هذا الأمر تغير في الوقت الراهن. ويتضح هذا الأمر في ألمانيا أيضاً، حيث يُخشى من المزج المتزايد بين الدين والسياسة.

الإسلام وسيلة لتعريف أوروبا

وبرغم ذلك يبقى الجدل بخصوص الإسلام قضية ألمانية داخلية، لأنه يدور حول مسألة إلى أي درجة ترغب ألمانيا والألمان في الانفتاح، فمنذ نهاية الدكتاتورية النازية يعاني الألمان من تاريخهم وباتت لديهم علاقة صعبة بهويتهم القومية. ويضيف كلاوس لانغفي أن من يتحدث عن الإسلام، يتحدث دائماً بصورة غير مباشرة أيضاً عن مسألة مغايرة للغاية، وهي درجة العالمية التي ينبغي أن تكون عليها ألمانيا.

"فمن جانب توجد اتجاهات محبة للإسلام، ومن جانب آخر توجد اتجاهات يعتريها الخوف منه"، كما يقول لانغفي الذي يضيف بالقول: "وكما نعرف أن هذه الاتجاهات متقاربة دائماً في التاريخ، على الرغم من أنها تبدو من الخارج متعادية للغاية. وهذا يعني على أغلب الأحول أن الإسلام ما زال يساهم مساهمة جوهرية في تكوين الذات الأوروبية، أي في إيجاد هوية جماعية للأوروبيين".

كيرستن كنيب
ترجمة: عماد مبارك غانم
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2010

قنطرة

أعداء الإسلام في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية:
تحالف الكراهية
استغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى تمكنت الكراهية للإسلام، كتلك التي يتصف بها النائب الهولندي غيرت فيلدز، من أن تجد لها موطئ قدم في الولايات المتحدة الأمريكية. لكن في الوقت الحالي بات معادو الإسلام يعملون سوية على جانبي الأطلسي. توماس كيرشنر في استعراض لخلفيات هذا التحالف المعادي للإسلام في كل من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.

"من الذي يخشى من الإسلام؟"- نقاش بين كيليك وطارق رمضان:
مسلم أقل إسلاما ليكون أوروبيا أفضل؟
هل يشكِّل الإسلام جزءًا من الواقع الأوروبي أم تهديدًا قادمًا من الشرق؟ يدور في أوروبا منذ أعوام جدال ساخن حول تحديد مكان الإسلام في الحياة العامة، حيث عقد مؤخرا في برلين مؤتمر جمع شخصين يعتبران من أكثر الشخصيات جرأة في هذا الجدال - عالمة الاجتماع التركية الألمانية، نجلا كيليك والباحث السويسري المختص بالعلوم الإسلامية، طارق رمضان. سارة ميرش حضرت المؤتمر وتطلعنا على أهم النقاشات التي دارت فيه.

حوار مع هاينِر بيليفيلدت حول الإسلام والحقوق الأساسية:
ظاهرة الإسلاموفوبيا.... عنصرية تتنكر بعباءة الليبرالية
يرى هاينِر بيليفيلدت، المدير السابق للمعهد الألماني لحقوق الإنسان، في هذا الحوار مع كريستيان رات أن حظر ارتداء البرقع ممكن، أما حظر بناء المآذن فمخالف للقانون، معتبرا أن ظاهرة الإسلاموفوبيا ما هي إلا عنصرية تسترت وراء الليبرالية التي اتخذتها رداء ومرجعية.