هل ستجتاح موجة العنف ألمانيا أيضا؟

موجة العنف التي اجتاحت فرنسا أثارت في ألمانيا أسئلة مقلقة في خصوص إمكانية وقوع أعمال عنف أيضاً. وبعض الصحف الألمانية بدأت تتكهن بالفعل بوقوع حوادث مماثلة. تعليق بيتر فيليب.

الصورة: أ ب
هل علينا أن نعتاد على هذه الصور في ألمانيا أيضا؟

​​

لقد تساءلت جريدة "أكسبرس" الشعبية الصادرة في كولونيا فيما "إذا كانت موجة العنف ستجتاحنا نحن هنا في ألمانيا أيضاً" بعدما أحرقت ثماني سيّارات في مدينتي برلين ولأسباب غير معروفة.

فموجة العنف التي اجتاحت فرنسا أثارت في ألمانيا أسئلة مقلقة في خصوص إمكانية وقوع أعمال عنف أيضاً. وكالعادة فإن الصحافة تتصرف حسب الأسلوب المعهود: فكلّما كانت العناونين الرئيسية مثيرة ارتفع عدد النسخ المباعة. بيد أن هذا الأمر لا يقتصر على الجرائد الشعبية التي تعتاش على هذه الطريقة، بل أنّ هناك وسائل إعلام أخرى تُدلي برأيها، منذرةً بأن ألمانيا نفسها مهددةٌ كذلك.

إن هؤلاء هم أنفسهم الذين كانوا يحذرون دائماً من خطر "المجتمعات المنفصلة عن بعضها" و "تأثير الدخلاء على المجتمع الألماني" و "عدم الاستعداد للاندماج في المجتمع". وهم يرون الخطر المزعوم فقط هناك حيث يظنّون وجوده دائماً أي لدى الأقليّة المسلمة.

وحتّى المطبوعات الرصينة مثل مجلة "دير شبيغل" لم تكن محصّنة أمام هذه النزعة: ففي مقالة لها حول أعمال العنف في فرنسا نشرت خريطة مصورة جردت فيها عدد المسلمين المقيمين في فرنسا وبريطانيا وأسبانيا وهولندا.

الانتماء الديني

غير أنه ثبت منذ فترة بأن من الصحيح أن أغلب المشاغبين في فرنسا هم من المسلمين، بيد أن انتماءهم الديني لا علاقة لهم بإعمال التخريب التي قاموا بها. بل أنّ أسباب هذا العنف تكمن في الوضع الاقتصادي والاجتماعي الهشّ الذي يشهده هؤلاء الناس.

وهكذا هو الوضع أيضاً في الولايات المتحدة الأمريكية عندما تندلع أعمال العنف بين أوساط الأمريكان السود المسحوقين أو أحياناً بين الجماعات المحرومة من الامتيازات في بريطانيا أو حتّى في ألمانيا حيث يشتبك الشبّان الأتراك مع مهاجرين شباب من أصول ألمانية قادمين من روسيا.

إذن إن الأمر لا علاقة له بالدين، إنما بانعدام الفرص المتكافئة. وهذه المسالة لها أسباب متعددة منها النقص في التعليم الذي يقطع الطريق مستقبلاً أمام الانخراط في ميدان العمل.

ومن هذه الأسباب ظاهرةُ البطالة. أمّا الدين فهو بالتأكيد لا يعتبر إلا سبباً طفيفاً للغاية. وبلا شكّ أن المتطرفيين دينيّاً والمحرضين الغوغائيين سيحاولون استغلال حالة الغضب المخزونين لأغراضهم الشخصيّة.

موقف السياسيين الألمان

إلا أن هذا الأمر نفسه لم يحدث في فرنسا حتّى الآن. بل على العكس من ذلك، إذ تدخل ممثلو المجموعات الإسلامية بصراحة بُغية تهدئة الوضع.

ومما يبعث على الأمل هو أن السياسيين الألمان تصرّفوا بأسلوب مغاير لأسلوب زملائهم الفرنسيين: فوزير الداخلية الفرنسي صبّ فعليّاً النفط على النار، عندما تحدث عن "الأوغاد" و "حثالة الناس".

فهذه العبارات من شأنها أن تؤدي إلى الاستقالة في ألمانيا. بيد أنها أدت في فرنسا إلى اندلاع موجة العنف. وحتى السياسيين "الصارمين بتطبيق النظام" من أمثال وزير داخلية بافاريا، بكشتاين يدعون إلى تكثيف الجهود الرامية إلى تقوية الاندماج الاجتماعي في ألمانيا.

وهذا النداء لا يشبه تلك النداءات التي تطالب الأقليات بالمزيد من العمل، بل أنه يتعلّق بمساعي الحكومة والسلطات الإدارية وموجّه إلى غالبية المجتمع من أجل الاهتمام بالأقليات. وهذه المعلومة الجديدة تخلتف عما هو سائد إلى الآن، أي اعتبار قضية الاندماج من المهام الملقاة على عاتق المهاجرين بالدرجة الأولى.

امتلاك الجنسية الألمانية

وثمّة فرق كبير آخر وهو أن بعض فقط المهاجرين في ألمانيا يحمل الجنسية الألمانية. وهذا الأمر بحدّ ذاته لم يكن سهلاً حتّى بعد تعديل القوانين بصورة ليبرالية متسامحة. فمازال المهاجرون يطلق عليهم في اللغة الشعبية "العماّل الأجانب"، وهو مصطلح يوحي خطأً بأن هؤلاء الناس يقيمون إقامة مؤقتة في ألمانيا.

أمّا في فرنسا فإن المهاجرين يطلق عليهم لقب "الوافدين" الذين يحملون الجنسية الفرنسية بكلّ ملحقاتها. إلا أنهم استيقظوا في أحيائهم البائسة وأدركوا بأنهم عمليّاً مواطنون من الدرجة الثانية على الرغم من وضعهم القانوني.

وليس هناك حالة مشابهة في ألمانيا إلا إذا تناولنا حالة الوافدين من روسيا: فهم يعتبرون من المواطنين الألمان، ولذلك فأنهم لا يظهرون في أيّ إحصائية حول "الأجانب". لكنّ قسماً كبيراً من هؤلاء لم يستطع التأقلم هنا إلا بعد صعوبات كبيرة.

والشعور بأنك "أجنبيّ" هو "تكريم" مشكوك فيه وموقوف على المسلمين وحدهم، وبالأخص على الأتراك المقيمين في ألمانيا. وينظر المتشككون إلى هؤلاء باعتبارهم "غريبين ثقافيّاً" أو "من الصعب دمجهم".

بيد أن من الواضح بأن عملية الاندماج متعلقة بالطرفين. فيتوجب على مجتمع الأغلبية أن يكون مستعداً لتوفير الشروط الضرورية في مجال التعليم على سبيل المثال. وعلى الأقل هذه الضرورة يمكن أن تكون الدرس الذي تلقته ألمانيا من خلال الاضطرابات الفرنسية.

بقلم بيتر فيليب
ترجمة حسين الموزاني
حقوق الطبع دويتشه فيله 2005