أليس حريٌّ بالمسلمين أن يعتذروا من الإسلام ومـن النبي؟

هوشنك أوسي دمشق/سوريا
15 شباط/فبراير 2006

إن موجة الرفض والسخط والاستنكار العارمة التي اعتلت الحراك الرسمي والشعبي في العالم الإسلامي على الغرب "مسيحيين وعلمانيين"، على خلفية الرسوم الكاريكاتيرية التي أساءت للنبي الكريم، المنشورة في الصحف الأوروبية، بدءاً بالدانيماركية والنروجية، كشفت هذه الموجة عن جوهر التعاطي الهشّ، الذي قوامه الفلتان والانفعال والتصعيد والتهديد والوعيد المجتمعي سياسياً واقتصادياً، وإعلامياً، حيال هكذا قضايا حسَّاسة وشائكة كهذه.

ومن جهة أخرى، فتحت الباب على مصراعيه على تساؤلات كثيرة، تتخلصُّ الإجابات عنها في قول الشَّاعر :"نعيب زماناً والعيب فينا". وبالعودة للتاريخ الإسلامي، "وليس أبلغ من التاريخ حجَّة، ومن الوقائع سنداً، ومن الأحداث دليلاً."

على حدِّ تعبير الدكتور الراحل فرج فودة، سنصل إلى النتيجة السابقة. وسنتعرَّف على الهوَّة الفاصلة بين الإسلام والمسلمين، نتيجة "احترامهم والتزامهم" الشديد لنبيّهم الأكرم، وكتاب وتعاليم دينهم الحنيف. فباعتقادي أنه "بوفاة الرسول، استكمل عهد الإسلام، وبدأ عهد المسلمين"، كما ذهب الدكتور فودة إليه.

وأية نظرة سطحية متابعة للتاريخ الإسلامي، ستجد أنه سفر للحروب والفتن والدسائس الداخلية التي راح ضحيتها الملايين من المسلمين، وقبلهم، راح كبار رجالات الإسلام من صحابة الرسول، وأئمته الأفاضل. فهذا التاريخ، لا يمتُّ بأية آصرة بروح الإسلام وجوهره ورسالة نبيّه.
(...)

وبالعودة إلى الوضع الحالي للأمة الإسلامية والفقر والجهل والأميَّة والتخلُّف المعشِّش فيها، والخلافات والنزاعات المنتشرة بين دولها. ناهيكم عن حجم الاضطهاد والاستبداد والظلم الذي تعانيه الشعوب الإسلامية من طغي أنظمتها "الإسلامية". أليس هذا الواقع هو إهانة للإسلام_دين العدالة والمساواة والتسامح_ ورسالة نبيّه المصطفى "ص"؟

ممَّا لا شكَّ فيه، إن التطاول على الرسول الكريم، والاستخفاف والاستهتار بمشاعر وعقيدة أكثر من مليار مسلم على وجه المعمورة، هو مثار شجب وإدانة ورفض، وغير مقبول البتَّة، مهما كانت المسوِّغات القانونية والمهنية كـ"حرِّية التعبير عن الرَّأي". فالتعاطي بشكل ميهن لوعي ورموز دينية لأية ديانة، مهما كانت عدد معتنقيها قليلاً، تحت منشيت "حرية التعبير"، لا يمتُّ بأية علاقة بالحضارة والديمقراطية.

لأن الأخيرة، لا تعني حرِّية الإهانة والاستهزاء بالرموز الدينية للبشر. والأسئلة التي يطرح نفسها هنا: الرسوم نشرت في شهر أيلول، وردَّة الفعل الآنفة، جاءت بعد النشر بثلاثة أشهر ونيّف (!!) لماذا، بالرغم من الثورة المعلوماتية والعولمة؟

ألم يكن الشحن الإعلامي العربي للشارع، وتأجيج المشاعر العدائية للغرب المسيحي لديه، في خدمة من يقف وارء تلك الرسوم؟ ترى، لو مرَّ قبطي أمام المظاهرات التي شهدتها مصر، ماذا كان مصيره؟. هل حرق السفارات والقنصليات في دمشق وبيروت هو الحل الوحيد؟

ألم يخلق التعاطي الإعلامي العربي لهذا الحدث، حالة عداء لدى المسلم، حتى للمسيحي الشرقي، ما يحيلنا للتخوّف من تصدُّع المجتمعات المسلمة التي تحوي الكثير من الديانات الأخرى؟

ألم يغذِّي هذا التعاطي الإعلامي فكرة "صراع الحضارات" التي يرفضها الإسلام؟ أليست حركات "الإسلام السِّياسي" الأصولية المتطرِّفة، هي الأكثر استفادة واستثماراً لهذا الحدث، لتوثيق وتصديق خطابها التكفيري الإقصائي الإلغائي؟

لماذا غاب العقلانيون "فنانون، مثقفون، مفكرون"، من على واجهة الإعلام العربي، ليتصدَّره المشايخ ورجال "الإسلام السَّياسي" بشكل مخيف، يثير الريبة؟ ألم تستثمر النظم العربية هذا الحدث، لإلهاء الشارع عن الاختناقات والأزمات التي تعانيها هذه النظم؟

ألم يكن حريق السفارة الدنماركية بدمشق مفتعلاً، الهدف منه إرسال رسالة من النظام السوري للغرب وأقطابه، خاصة أمريكا، مفادها: إن زدتم الضغوط علينا، واردتم تغييرنا، فأن النتيجة ستكون هكذا. هؤلاء سيستلمون الحكم. بمعنى، إمَّا نحن أو الفوضى؟

أعتقد أن التعاطي " الإسلامي" مع حدث نشر تلك الصور الكاريكاتيرية، أساءت للإسلام ونبيه، أكثر من تلك الرسوم، لأنها فوَّتت فرصة هامة، للتعريف بجوهر الإسلام الحقيقي وسنَّة نبيّه للغرب.

والتأكيد على أن الإسلام ليس "بن لادن" و"الزرقاوي"، وأنه دين التسامح والإخاء والمساواة والتكافل والتواصل الحضاري. وتالياً، لقد زدنا من التشويه الذي يتعرَّض له الإسلام من داخله وخارجه، ورسَّخنا تلك الصورة المشوَّهة لدى البعض، عن هذا الدين السلامي، بأنه (دين العنف والعصبية والانغلاق)، وهذا ما يرديه أعداء الإسلام.

قنطرة

أين أصحاب الفكر المتزن؟
حينما نشرت جريدة دانمركية رسوما كاريكاتيرية للنبي محمد لم يكن أحد يتوقع لها أن تثير مثل هذه الضجة العارمة. فقد اعتبرها المسلمون المتشددون إهانة فيما تشبث الغربيون بحرية الصحافة. أيمن مزيك يلقي الضوء على الحقائق الكامنة وراء هذا التصعيد.

الصحافة وحرية التعبير
من يسيء حقّا إلى الإسلام: الرّسّام الدانماركي الذي رسم الكاريكاتور، أم ردود الفعل التي تطالب بإعادة بوليس الفكر ومحاكم التّفتيش؟ تتساءل رجاء بن سلامة في تعليقها التالي.