"مشرف أضحى مشكلة في حد ذاته"

في الوقت الذي يسعى فيه الرئيس الباكستاني من خلال جولته الأوروبية الحالية إلى تحسين صورته في الغرب، طالب عدد من كبار العسكريين الباكستانيين السابقين باستقالته. في حوار مع دينس شتوتة أوضح الجنرال المتقاعد طلعت مسعود أسباب هذه الدعوة وملامح المشهد السياسي الباكستاني الحالي.

الرئيس الباكستاني مشرف في لقاء مع الرئيس بوش، صورة: أ.ب
"أخذت بعض الدوائر الأمريكية تعيد النظر في موقفها من مشرف"

​​لقد وجهتم مع المئات من كبار الضباط السابقين في الجيش الباكستاني، من بينهم أيضا العشرات من كبار الجنرالات المتقاعدين انتقادات لاذعة للرئيس مشرف وطريقة حكمه وأدائه، كما طالبتم باستقالته الفورية وذلك في بيان صدر عنكم في الثاني والعشرين من كانون الثاني/ يناير من العام الجاري. مثل هذا الأمر يعد حدثا في غاية الأهمية كون أن المؤسسة العسكرية في باكستان هي صاحبة الكلمة العليا واليد الطولى. لماذا يتوجب على مشرف الاستقالة؟

طلعت مسعود: لقد فقد مشرف ثقة الشعب، إذ أضحت شرعيته على المحك، فبدلا من إجراء الانتخابات التشريعية في موعدها الذي كان مقررا في شباط / فبراير القادم وإضفاء الشرعية على حكمه قام، وقبل فترة قصيرة من موعد انتهاء فترة ولايته الرئاسية، بالضغط على البرلمان من أجل التجديد لولاية أخرى. كما أنه وظف موقعه كقائد للجيش من أجل الحفاظ على منصبه، ما جعل من الجيش محل سخط الشعب وحنقه. وفي ظل مثل هذه الظروف فإن الجيش أحوج ما يكون لمساندة الشعب الباكستاني في الحرب التي يخوضها ضد الإرهاب، حيث يشكل الجيش رأس الحربة فيها. والشيء الذي يبعث على القلق أيضا أن مشرف يزيد البلد والشعب انقساما والأوضاع تأزما، الأمر الذي جعل منه مشكلة في حد ذاته.

ألا تعد مثل هذه المطالب متأخرة كثيرا، خاصة بعد الانقلاب الذي جاء به إلى السلطة عام 1999؟

مسعود: لا يجب الآن مساندة مثل هذه الخطأ وتعزيزه، فقد وصلت النخب السياسية وقيادات المجتمع المدني إلى قناعة مفادها أن مناصرة الحكم العسكري وإبداء الدعم له كان خطأ كبيرا. فقد استخلصوا من ذلك الدروس العبر، إذ خلصوا إلى أنه من دون إحلال الديموقراطية وتعزيز مسيرتها ودعم المؤسسات لا يمكن التقدم والنهوض وإرساء قواعد الاستقرار والسلام والنظام في باكستان. وكذلك من الملاحظ أن المزاج العام داخل المؤسسة العسكرية قد تغير الآن، إذ أكد قائد الجيش الجديد بكل وضوح أن الجيش لن يتدخل في السياسة.

ما طبيعة التهم التي وجهتموها في بيانكم لمشرف؟

قوات الأمن الباكستانية في قمعها لاحدى المظاهرات، الصورة: أ.ب
"فقد مشرف ثقة الشعب"

​​مسعود: النقطة البالغة الأهمية في هذا السياق أن مشرف من خلال نهجه وسياساته قد أضر بمنظومة المجتمع الباكستاني بمدخلاتها المختلفة، ما جعله يعيش حالة من الاضطراب وعدم الاستقرار. لقد قام مشرف بتعطيل المؤسسات القضائية من خلال إقالته لأحد أهم القضاة في هذا البلد، كما تعامل بنوع من الاستعلاء والازدراء مع المجتمع الباكستاني ومؤسساته، بالإضافة إلى مهاجمته قوى الإصلاح والتغيير وتكميمه الأصوات الليبرالية. وفي هذا السياق أيضا حاول أن يعزز مكانته من خلال توظيف الجيش كأداة لتثبيت دعائم حكمه، الأمر الذي جعله يستمد نفوذه وقوته ليس من سلطة الشعب وإنما من خلال المؤسسة العسكرية والجانب الأمريكي.

احدى التهم الموجهة لمشرف أنه يعزز ما يسمى بــ"القوى الانفصالية"، من المقصود بذلك؟

مسعود: باكستان بلد متعدد العرقيات مع كثير من المذاهب الإسلامية، الأمر الذي يجعل إدارة البلاد بطريقة فيدرالية أكثر فاعلية منها بطريقة مركزية، وهو أمر لم يحاول مشرف العمل به أو تعزيزه، كونه كان دائما يصبو إلى تعزيز قبضته على البلاد. فمثلا في إقليم بلوشستان يوجد نوع من التمرد، لأن الحكومة المركزية عملت على تهميش هذا الإقليم وحرمانه من كثير من المشاريع التنموية والخدماتية والبنى التحتية. وفي الإقليم الشمالي الجنوبي ومنطقة وزيرستان وكذلك في الحدود مع أفغانستان تقاتل قوى شبه عسكرية ضد حركة طالبان والقاعدة، حيث إن مقاتلي هذه التنظيمات يحظون بدعم من سكان المناطق القبلية الذين ينحدرون من أصول باشتونية والتي تشكل امتدادا لقبائل الباشتون في أفغانستان، التي ترى نفسها أيضا محتلة من قبل قوات الناتو التي تتواجد في المنطقة. وفي ضوء هذه المعطيات فإن حكومة مشرف تفقد يوميا نفوذها وينحسر وجودها في هذه المناطق.

الحملة العسكرية الباكستانية تنفذ بضغط أمريكي، هل هناك من خيار آخر أمام مشرف؟

مسعود: إنه موقف في غاية الحرج والصعوبة كان من صنع مشرف نفسه، فحملته العسكرية في المناطق القبلية جعلت من الحرب على الإرهاب تفقد أهدافها التي وضعت لها أصلا، إذ لم يعد الناس قادرين على معرفة الجهة التي يحاربون من أجلها؛ أهي باكستان أم الولايات المتحدة الأمريكية. لقد وفرت سياسات مشرف تربة خصبة للإرهاب في هذا المناطق ليترعرع وينمو فيها بشكل متسارع خلال السنوات الخمس الماضية، وهو أمر جلي من خلال العمليات والضربات، التي ينفذها الإرهابيون في أرجاء البلاد.

ينظر إلى مشرف في واشنطن على أنه حليف وثيق؛ ما تعليقكم على ذلك؟

احدى اللوحات تحمل صورة بنظير بوتو، الصورة: أ.ب
اغتيال بوتو وضع مستقبل باكستان على مفترق طرق

​​مسعود: الأمريكيون يهمهم أمر واحد وهو الحفاظ على الاستقرار في المناطق القبلية على الحدود الأفغانية. والرئيس الأمريكي ينظر إلى الأمور بأريحية عندما يتعامل مع مشرف الذي يجمع في حقيقة الأمر منصب رئيس البلاد والقائد الأعلى للجيش وحتى رئيس الوزراء الفعلي، وهو ما يحصر الدعم الأمريكي لباكستان في شخص الرئيس. وبدوره فإن مشرف يتعامل بمرونة كبيرة مع الإدارة الأمريكية ولذا فلا عجب أن يحظى بمثل هذه الرعاية والعناية. ولكن وبالتدريج أخذت بعض الأفكار الجديدة تتبلور في الكونجرس الأمريكي وحتى عند بعض النخب الفكرية الأمريكية وبعض الدوائر الأوروبية بأنه من دون وجود حكومة ديمقراطية في باكستان لا يمكن الاستمرار في الحرب على الإرهاب.

لقد فقدت باكستان بنظير بوتو، أحد أهم اللاعبين السياسيين على الساحة الباكستانية، من الذي كان سيتولى مقاليد الحكم فيما لو استقال مشرف؟

مسعود: كان يمكن لرئيس مجلس الشعب وحسب ما ينص عليه الدستور أن يصبح رئيسا مؤقتا للبلاد، وبعد ذلك يتوجب عليه أن يدعو إلى انتخابات عادلة ونزيهة تشرف عليها لجنة انتخابات مستقلة. ومثل هذا الأمر لم يكن ليعيد الثقة للشعب فحسب، بل أيضا أن يحسن من صورة باكستان في الخارج. ولذا فإن حكومة شرعية ومنتخبة هي وحدها القادرة على حل مشكلات باكستان المتداخلة والمتشعبة.

الجنرال طلعت مسعود خدم 39 عاما في الجيش الباكستاني، كما كان مسؤولا عن إدارة شؤون التسليح في وزارة الدفاع الباكستانية.

دينس شتوته
ترجمة: هشام العدم
حقوق النشر: دويتشه فيله 2008

قنطرة

إداناة دولية لاغتيال بوتو
"يوم أسود للديمقراطية"
يسود إجماع دولي وإقليمي حول اغتيال "الإرهاب الأسود" لرئيسة الوزراء الباكستانية السابقة وزعيمة حزب الشعب المعارض بنظير بوتو يوم الخميس الماضي، وسط تأجيج المخاوف من زعزعة استقرار باكستان وتداعيات ذلك على ترسانتها النووية.

باكستان: ورقة الجنرال الأخيرة
لعبة الجيش المزدوجة
قام الرئيس الباكستاني مشرف السبت الماضي بفرض حالة الطوارئ مبررا خطوته تلك بحالة العنف السائدة في البلاد. إلا أن الأمر كله ربما كان محاولة لتفادي الحكم المتوقع صدوره ضد رئاسته من قبل المحكمة العليا واستباقا له. تعليق توماس بيرتلاين

سيناريوهات النزاع الباكستاني:
إذا ما تفتتت باكستان . . .
يحلل هيرفريد مونكلر الباحث في علم السياسة تواصل الأزمة السياسية في باكستان ويطرح السؤال التالي: ماذا سيحدث فيما لو تعرضت باكستان كدولة وكوحدة إقليمية إلى التجزئة وانقسمت إلى دويلات متعددة علما بأن الحكومة المركزية اليوم عاجزة عن السيطرة التامة على كامل أرجاء البلاد؟