هتلر وستالين وموسيليني وتطرف كاثوليكي تحت راية الأسد

في سابقة من نوعها تحالف متطرفون متضادون أيديولوجياً في أوروبا، من أنصار ستالين اليساريين وأتباع موسيليني الفاشيين ومؤيدي هتلر النازيين الجدد مع أصوليين كاثوليك، واجتمعوا على قلب رجل واحد لنصرة الأسد، مشتركين في مناهضة الإمبريالية بشكل فضفاض غير واضح المعالم. لكن دعمهم لنظام الأسد بات عاملاً جوهرياً في محاولة سحب بساط التضامن الشعبي الأوروبي من تحت الشعب السوري التائق للحرية، بحسب رأي الناشط والصحفي الإيطالي المستقل، جيرمانو مونتي.

الكاتبة ، الكاتب: Germano Monti

في وسط روما تحوّلت ساحة بيازا فينيسيا، حيث كان بنيتو موسوليني يلقي في الماضي خطاباته، إلى مسرح لمظاهرة عجيبة من نوعها؛ رَفَع فيها، أمام مدخل السفارة السورية في روما، عدة عشرات من الأشخاص صوراً للرئيس السوري بشار الأسد وكثيراً من الأعلام السورية عاليةً.

تناوب الخطباء في هذه المظاهرة على إلقاء خطاباتهم بمكبرات الصوت. وعندما ارتفع في آخر المطاف صوت النشيد الوطني السوري من مكبرات الصوت، رفع قسم من المتظاهرين أيديهم اليمنى إلى الأمام لأداء تحية هتلر، بينما أدَّى القسم الآخر تحية العلم بقبضاتهم. ثم تلت مظاهراتٌ أخرى هذه المظاهرةَ التي خرجت قبل نحو عام وكانت أولَ مظاهرة جمعت اليمين المتطرف "البني" مع اليسار المتطرف "الأحمر".

وباتت توجد حركة نشطة، تجمع العديد من الجماعات اليمينية المتطرِّفة القادمة من مختلف الدول الأوروبية وتوحدها في جبهة تحت راية نظام الأسد: "جبهة التضامن الأوروبي مع سوريا". تعمل "جبهة التضامن البني" هذه وبكلّ جهد ونشاط على تنظيم المظاهرات المؤيِّدة للأسد، وقد أرسلت عدة وفود إلى دمشق تم استقبال هذه الوفود من قبل الحكومة السورية في مجلس الشعب السوري.

ومن هذه الوفود قام وفد بزيارة للنظام بعد فترة قصيرة من الهجوم بالأسلحة الكيماوية في شهر أيلول/ سبتمبر 2012. وفي هذه الزيارة، التي ترأَّس وفدها ممثل الحزب السوري القومي الاجتماعي في إيطاليا عدي رمضان، شارك أشخاص من بينهم ستيفانو دي سيمونه وجوفاني فيولا، زعيما الحركة الفاشية الجديدة "كازا باوند"، بالإضافة إلى فرناندو روسي، السيناتور السابق عن الحزب الشيوعي الإيطالي، الذي بات يسعى إلى التكاتف مع المتطرِّفين اليمينيين نظرا لدعمه للقذافي ودعمه في وقت لاحق لنظام الأسد. وتم الترحيب بـ"وفد الغازات السامة" هذا رسميًا من قِبَل رئيس مجلس الشعب السوري جهاد اللحام وأيضاً من قبل رئيس مجلس الوزراء وائل الحلقي ووزير الإعلام عمر الزعبي وكذلك من قبل نائب وزير الخارجية فيصل المقداد.

دعم الفاشيين للأسد...أسبابه تاريخية

يعود دعم هذه المنظمات الفاشية لنظام الأسد إلى أسباب بعضها تاريخية. فعلى سبيل المثال لقد وجد في دمشق في عام 1954 ألويس برونر (رئيس القوات الخاصة في الوحدة الوقائية النازية المعنية بمشروع إبادة اليهود "الحل النهائي للمسألة اليهودية" وأقرب معاوني أدولف أيخمان الضابط في قوات هتلر الخاصة) ملاذًا آمنا له. وقام حافظ الأسد، والد الديكتاتور الحالي، بتكليف ألويس برونر بإعادة هيكلة أجهزة الاستخبارات السورية بحسب نموذج جهاز الشرطة السري النازي "الغستابو" والوحدة الوقائية النازية SS.

Alessandra Mussolini (l.) und Roberto Fiore; Foto: Getty Images
Der Gründer der rechtsextremen politischen Partei "Forza Nuova" (deut. neue Kraft) Roberto Fiore (r.) und die Enkelin des italienischen Diktators Benito Mussolini Alessandra Mussolini (l.) nach einer Pressekonferenz in Rom

ومنذ بداية الانتفاضة الشعبية السورية قبل ثلاثة أعوام، بات من الممكن من جديد ملاحظة نشاطات تعبوية لافتة للنظر لدى الجماعات اليمينية المتطرّفة. ومؤيِّدو بشار الأسد يأتون على وجه الخصوص من إيطاليا وفرنسا واليونان، وكذلك أيضًا من ألمانيا وإسبانيا وبلجيكيا وبريطانيا وبولندا وصربيا بالإضافة إلى جمهورية التشيك ورومانيا.

تتكوّن جبهة مؤيِّدي الأسد من طيف متنوع لافت: يمتد من السياسية الفرنسية (اليمينية المتطرفة) مارين لوبان رئيسة حزب "الجبهة الوطنية"، مرورًا بكتائب "فالانغا" الكاثوليكية البولندية، التي دعت في شهر حزيران/ يونيو الماضي إلى عدة أمور من بينها سحب الجنسية من اليهود البولنديين، وحتى أتباع "الرؤية الأوراسية" الخاصة بالسياسي الروسي ألكسندر دوغين، وكذلك التنظيم اليوناني النازي الجديد "الزنبقة السوداء"؛ الذي تفاخر بوضع ميليشياته الخاصة تحت تصرّف بشار الأسد.

تشكّل إيطاليا مركز هذا التحالف الأحمر-البُنّي المؤيّد لنظام الأسد، وذلك لأنَّ فيها منظمات يمكن الاعتماد عليها في تقديم الدعم المفتوح للأسد - مثل حزب "فورزا نوفا" (الفاشيون الجدد الكاثوليك) وكذلك منظمة "كاسا باوند" (يطلق أعضاؤها على أنفسهم أيضًا اسم "فاشيي الألفية  الثالثة"). ويشمل هذا التحالف أيضًا الكثير من المجموعات الأصغر، التي تصف نفسها بأنَّها "اشتراكية" وتفتخر بعلاقاتها مع الأحزاب والحركات القومية والستالينية في جميع أنحاء العالم - من روسيا إلى فنزويلا وحتى كوريا الشمالية.

جميع هذه المنظمات والمجموعات لديها شبكات واتصالات مع أجزاء من اليسار العقائدي المناهض للإمبريالية الذي يعمل على نحو مضطرب. ولا يزال هذا اليسار المتجذّر في الفكر الستاليني على قناعة حتى يومنا هذا بأنَّ العالم يعيش في صراع دائم بين الإمبريالية الغربية (الممثَّلة في الولايات المتَّحدة الأمريكية والاتِّحاد الأوروبي وحلفائهما) وبين مقاومة "الدول ذات السيادة" مثل روسيا والصين وإيران.

"جيش أحمر-بني" في خدمة الأسد

 وباسم هذه المناهضة غير العقلانية للإمبريالية، وكذلك بسبب الإسلاموفوبيا التي تختلف شدتها من مجموعة إلى أخرى، قام اليمين الفاشي والأصوليون الكاثوليك والستالينيون بتشكيل "جيش أحمر-بني" صغير ولكنه نشيط.

 وحتى لا ينشأ أي سوء فهم لا بد من الإشارة إلى أنَّ حركتي "كازا باوند" و"فورزا نوفا" لديهما عدد قليل نسبيًا من الأنصار الناشطين، يصل إلى بضعة آلاف من الأعضاء. وفي الانتخابات الأخيرة مُنيت المجموعتان بفشل ذريع. ولكن مع ذلك فإنَّ لديهما تأثير لا يستهان به على الشباب الإيطالي. ففي انتخابات مدرسية حصلت هاتان الحركتان في بعض المدارس في روما على أغلبية أصوات التلاميذ: ولهذا السبب، تستطيع أيضًا "جبهة التضامن الأوروبي مع سوريا" إلقاء محاضراتها في هذه المدارس.

وفي حين أنَّ حزب "فورزا نوفا" يصب تركيزه على الدفاع عن الأسرة التقليدية ومكافحة الإجهاض، تعمل "كازا باوند" أكثر في القطاع الاجتماعي: إذ يقوم أعضاؤها باحتلال المباني الفارغة وكذلك بتنظيم الحملات لصالح الأشخاص المعاقين - شريطة أن يكونوا من الإيطاليين. تشترك الحركتان في مواقفهما العنصرية وكراهية الأجانب وكذلك أيضًا في رفضهما القاطع للعولمة، التي ينظرون إليها على أنَّها خسارة سريعة للسيادة الوطنية.

وهذه الشبكة المكوَّنة من مختلف الممثِّلين السياسيين والثقافيين المعروفين مهمة من أجل دعم نظام الأسد. وهم يرون في الديكتاتورية السورية من ناحية نموذجًا اجتماعيًا مرغوبًا فيه، ومن ناحية أخرى، حاجزًا واقيًا من الصهيونية الإسرائيلية ومن التنظيمات الأصولية الإسلاموية على حدّ سواء.

مجموعة من أنصار الحركة الفاشية الجديدة "كازا باوند" في إيطاليا. Foto: picture-alliance/Guiseppe Ciccia
Mussolinis Erbe:

يلعب الخوف من الإسلام دورًا تزداد أهميته في سياسة اليمينيين. وفي مرحلة التحضير للانتخابات الأوروبية لهذا العام، وقد التقى زعماء مختلف الجماعات اليمينية المتطرّفة في أوروبا في أكثر من مناسبة - على سبيل المثال في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي في إسبانيا وفي شهر شباط/ فبراير 2014 في روما. وحضر اللقاء الذي أقيم في إسبانيا كلّ من يانس بوزه من حزب إن بي دي الألماني (اليميني المتطرف) بالإضافة إلى ممثِّلين عن "الحزب السوري القومي الاجتماعي".

السوريون القوميون الاجتماعيون

يعتبر الحزب السوري القومي الاجتماعي حليفًا مقرَّبًا من حزب البعث الحاكم في سوريا بزعامة بشار الأسد، وهو ممثَّلٌ أيضًا في الحكومة السورية من خلال نائب رئيس الوزراء ووزير آخر. ويقاتل هذا الحزب بوحداته الخاصة إلى جانب نظام الأسد وميليشيات حزب الله اللبناني ضدّ المتمرّدين السوريين.

 تم تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي في بيروت عام 1932، كما أنَّ أيديولوجيته ورموزه تُذكِّران وبكلِّ وضوح بالقومية الاجتماعية الألمانية (النازية): فأعضاء الحزب السوري القومي الاجتماعي يؤدون التحية بالذراع اليمنى الممدودة إلى أعلى، وكذلك يشبه شعارُه المرسوم على رايته: الصليبَ النازي المعقوف. ويمثِّل الحزب السوري القومي الاجتماعي في إيطاليا عدي رمضان المذكور آنفًا؛ وجميع خيوط هذا الحزب في إيطاليا تلتقي لديه لتنظيم الدعم لنظام الأسد.

يشكِّل التقارب بين النازيين الجدد والأصوليين الكاثوليك والستالينيين وكذلك دعاة السلام تحت راية معاداة الإمبريالية عاملاً جوهريًا لنقص التضامن مع الشعب السوري، خاصة في الأوساط اليسارية. إذ ينشط هذا "الجيش الأحمر-البني" بشكل غير معتاد على شبكة الإنترنت، بمواقع ومدوَّنات تبدو من الوهلة الأولى يسارية. وقد تمكَّن في الأعوام الثلاثة الماضية من شل حركة التضامن والسلام الإيطالية مع سوريا، وذلك من خلال تذرُّعه المتواصل بشبح هجوم الناتو المزعوم على سوريا وبمؤامرة صهيونية-سلفية على نظام آل الأسد "العلماني الاشتراكي المناهض للإمبريالية"، بحسب وصفه.

في الأشهر الأخيرة فقط أصبحت وسائل الإعلام الرئيسية في إيطاليا هي الأخرى على بيِّنة من هذه الظاهرة وباتت تتحدَّث في تغطيتها الإعلامية حول نشاطات هذا التحالف المشبوه الموالي لنظام الأسد. وفي المقابل صارت تزداد أيضًا في منظمات السلام الأصوات الداعية إلى الديمقراطية وتقديم المساعدات الإنسانية للمواطنين السوريين. ولكن من غير المؤكَّد إلى حدّ كبير إذا كانت هذه الأصوات كافية من أجل سحب الدعم الشعبي في أوروبا عن هذا التجمّع الأيديولوجي.

 

جيرمانو مونتي

الترجمة عن الألمانية: رائد الباش

تحرير: علي المخلافي

حقوق النشر: تاغيستسايتونغ/ قنطرة 2014

 

جيرمانو مونتي صحفي مستقل يعيش في روما. وهو أحد منسقي "أسطول الحرية-إيطاليا"، وقد شارك في العديد من بعثات السلام والتضامن الدولي إلى قطاع غزة والضفة الغربية وإلى بعض المخيمات الفلسطينية في لبنان ومصر. وهو بالإضافة إلى ذلك أحد مؤسِّسي اللجنة الإيطالية للتضامن مع سوريا.