"المسلمون في ألمانيا بحاجة إلى حماية الدولة وتضامن المجتمع"

سيارة شرطة أمام مسجد في ألمانيا.
سيارة شرطة أمام مسجد في ألمانيا.

رسائل تهديد أقلقت المسلمين في ألمانيا بعضها مرتبطة بخلية إرهابية، إذ تواجه مساجد عديدة في ألمانيا تهديدات عبر رسائل مجهولة المصدر، بينما تحاول السلطات تتبع مصادر التهديد. متابعة كريستوفر شتراك.

الكاتبة ، الكاتب: Christoph Strack

ينتشر شعور بنقص الأمن في بعض الجمعيات المسلمة في ألمانيا. إنه مزيج من الخوف والقلق وحتى السخط. فمنذ سنوات تتلقى الجمعيات المسلمة (المساجد) في هذا البلد رسائل تهديد، وبعض الرسائل تم توجيهها إلى الكنائس المسيحية. ومؤخرا تلقى مسجد في منطقة أوسنابروك رسالة مجهولة المصدر.

شرطة أوسنابروك تقول، على لسان المتحدث باسمها ماتياس بيكرمان، إنها تشتبه في أن الجاني أو الجانية في منطقتهم وجه الرسالة ليس بدافع الاستهداف الديني، وإنما بهدف إزعاج أفراد معينين. وعندما سألته دي دبليو، أوضح بيكرمان أن الشرطة تفترض في هذه الحالة أن اختيار المرسل إليهم "لا يعتمد على انتمائهم الديني".

رسائل تهديد في أنحاء مختلفة من ألمانيا

قد ينطبق هذا الأمر على عدة حالات في أوسنابروك. ولكن هناك حالات كثيرة غيرها في أجزاء أخرى من نفس الولاية (ساكسونيا السفلى)، وفي ولايات هيسن  وبافاريا وبرلين، حيث تلقت المساجد خلال السنوات الأخيرة رسائل تهديد. ومن المحتمل أن يكون العدد الإجمالي للرسائل المجهولة المصدر أكبر مما هو معروف. بحسب المعلومات الواردة إلى دويتشه فيله تقوم إدارات المساجد بإبلاغ الشرطة، ولكنها أحيانا تفضل ألا يصل الأمر إلى وسائل الإعلام. بالإضافة إلى ذلك، يتلقى بعض الممثلين للجمعيات الإسلامية رسائل تهديد أيضا، يتم الإشارة فيها إلى أفراد أسرهم، بمن فيهم الأطفال القُصَّر.

 

ضحايا الخلية اليمينية المتطرفة، ما عدا واحدة، كانوا من المهاجرين - حجر تذكاري لأحد الضحايا بمدينة دورتمو ند في ألمانيا واسمه محمد كوباسيكGedenkstein für den vom NSU ermordeten Mehmet Kubasik in Dortmund; Foto: picture-alliance/dpa
ضحايا الخلية اليمينية المتطرفة، ما عدا واحدة، كانوا من المهاجرين - حجر تذكاري لأحد الضحايا بمدينة دورتموند في ألمانيا: بحسب الشرطة، فإن 18 من الرسائل الواردة منذ عام 2018 مرتبطة بمحتوى الجماعة الإرهابية اليمينية المتطرفة NSU. وهي الجماعة التي قام أعضاؤها، بين عامَيْ 2000 و 2007، بقتل تسعة مهاجرين من أصحاب المحلات الصغيرة، إضافة لشرطية واحدة. وبقيت سلسلة جرائم القتل تلك دون حل لفترة طويلة. ولم يتم القبض على الجناة إلا في عام 2011. وإلى يومنا هذا هناك تكهنات حول الشبكة في البيئة المحيطة بالجناة الرئيسيين.

 

 "إن التهديدات التي تتعرض لها الجمعيات المسلمة ليست بالأمر الجديد"، يقول برهان كسيجي، رئيس المجلس الإسلامي بألمانيا، في حديث لدويتشه فيله. ففي الماضي كانت تصل رسائل تهديد من حين لآخر. حينها كان من الواضح أنها كانت رسائل من أفراد، وبعضها مكتوب بخط اليد. أما الآن فالرسائل الواصلة إلى الجمعيات صارت أكثر. وأحيانا تكون هناك إشارة إلى ارتباطها بالإرهاب أو بالخلية اليمينية إنْ إسْ يو NSU، (التي تُعتبر من جماعات النازيين الجدد). ويصف كسيجي ذلك بأنه "أمر مقلق، ومحبط أيضا. لأنه لا يمكنك فعل أي شيء حيال ذلك".

وبحسب الشرطة، فإن 18 من الرسائل الواردة منذ عام 2018 مرتبطة بمحتوى الجماعة الإرهابية اليمينية المتطرفة NSU. وهي الجماعة التي قام أعضاؤها، بين عامَيْ 2000 و 2007، بقتل تسعة مهاجرين من أصحاب المحلات الصغيرة، إضافة لشرطية واحدة. وبقيت سلسلة جرائم القتل تلك دون حل لفترة طويلة. ولم يتم القبض على الجناة إلا في عام 2011. وإلى يومنا هذا هناك تكهنات حول الشبكة في البيئة المحيطة بالجناة الرئيسيين.

وتحديدا هذا الارتباط بالخلية اليمينية ذاتها، يثير قلق العديد من المسلمين في ألمانيا، كما يقول عبد الصمد اليزيدي، الأمين العام للمجلس المركزي للمسلمين، في حديث لِـ دي دبليو. ويضيف: "إن  الإشارة إلى إرهاب خلية NSU  يظهر حقيقة أن الجناة ينظرون إليهم، من خلال الأيديولوجية المتشابهة، على أنهم قدوة وأنهم يريدون إحياء الأعمال الإرهابية اللاإنسانية التي قامت بها الخلية، وأنهم يمجدونها". ولذا يجب على الجميع في المجتمع العمل معا لمواجهة الأمر.

شعور بنقص الأمان ممزوج بخيبة أمل

الشعور بنقص الأمان يتعلق بسياق أكبر. لنعد إلى عام 2006، حينها انطلق مؤتمر الإسلام في ألمانيا، الذي بات الآن في مرحلته الخامسة، ولكنه لا يحظى باهتمام كبير. ومن أحد نتائج هذا المؤتمر، قامت في نهاية يونيو/حزيران 2023، وبعد حوالي ثلاث سنوات من العمل، مجموعة مستقلة من الخبراء بتقديم تقرير شامل عن معاداة المسلمين في ألمانيا. التقرير تحدث عن ظاهرة منتشرة. وتضمنت النصائح العشرين التي قدمها الخبراء للحكومة الاتحادية: تعيين مجلس دائم للخبراء، وتعيين مفوض اتحادي لمكافحة العداء للمسلمين. ولكن لم يتم تنفيذ أي شيء حتى الآن.

 

إحدى الصلوات في المسجد المركزي بمدينة كولونيا في ألمانيا. Gebet in der Kölner Zentralmoschee; Foto: Mesut Zeyrek/AA/picture alliance
إحدى الصلوات في المسجد المركزي بمدينة كولونيا في ألمانيا: تلقت المساجد خلال السنوات الأخيرة رسائل تهديد. ومن المحتمل أن يكون العدد الإجمالي للرسائل المجهولة المصدر أكبر مما هو معروف. بحسب المعلومات الواردة إلى دويتشه فيله تقوم إدارات المساجد بإبلاغ الشرطة، ولكنها أحيانا تفضل ألا يصل الأمر إلى وسائل الإعلام. بالإضافة إلى ذلك، يتلقى بعض الممثلين للجمعيات الإسلامية رسائل تهديد أيضا، يتم الإشارة فيها إلى أفراد أسرهم، بمن فيهم الأطفال القُصَّر.

 

ويشتكي عبد الصمد اليزيدي من أنه "لم يتم حتى الآن البدء بتنفيذ أي واحدة من التوصيات العشرين التي أصدرها مجلس الخبراء"، ويضيف: "نحن المسلمين نتعرض للتمييز المستمر، ونتعرض للهجوم في المجتمع، ولكن ليس لدينا مفوض لحياة المسلمين، كما هو الحال مع المجتمعات الدينية الأخرى، التي لديها ذلك منذ فترة طويلة. في ألمانيا نحتاج إلى مثل هذا المفوض الذي يضع إصبعه على الجرح".

هل يجب أن تتواجد قوات الشرطة أمام المساجد كل يوم جمعة؟ لم يعلق ماتياس بيكرمان، المتحدث باسم الشرطة في أوسنابروك، على ذلك. واكتفى بالقول إنه سيتم تكييف أي تدابير بشكل مستمر مع الوضع الحالي. حاليا لا توجد معطيات تشير لخطر واضح. وعلى ذلك علق ممثلو المسلمين بشكل مختلف. العديد منهم في ولاية ساكسونيا السفلى يضغطون من أجل وجود حماية واضحة من جانب الشرطة هذه الأيام، ويقولون: "إنْ لم يكن الآن، فمتى؟".

المساجد توفر الحماية بنفسها

بينما يرى رئيس المجلس الإسلامي كسيجي أن توفير الحماية للمساجد من جانب الشرطة يمكن أن يكون "متناقضا" مع الهدف. فمن لم يستطيع أن يصل إلى مسجده إلا بحماية الشرطة فسيصبح خائفا. أما الأمين العام للمجلس المركزي للمسلمين، اليزيدي، فيطالب بمزيد من التضامن في المجتمع بكامله.

 

عبد الصمد اليزيدي الأمين العام للمجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا. Abdassamad El Yazidi, Generalsekretär des Zentralrats der Muslime; Foto: Abdulhamid Hosbas/AA/picture alliance
عبد الصمد اليزيدي الأمين العام للمجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا يقول إن الإشارة إلى إرهاب خلية إن إس يو NSU يظهر حقيقة أن الجناة ينظرون إليهم، من خلال الايديولوجية المتشابهة، على أنهم قدوة لهم: ويضيف: "بالطبع، نتوقع من السلطات الأمنية توفير الحماية في الموقع المعني، في حالة حدوث خطر محدد" ... "ولكن ما نتوقعه أكثر -في ضوء زيادة العنصرية ضد المسلمين- هو المزيد من التضامن، والمزيد من التعاطف، والمزيد من العمل على جعل حياة المسلمين طبيعية في ألمانيا، وإدماج المسلمين وجمعياتهم ونشاطهم الاجتماعي في الحياة في ألمانيا". كما يتمنى من السياسيين أن يظهروا بكل وضوح، من خلال زيارتهم للمساجد، أن المسلمين جزء من ألمانيا.

 

ويضيف: "بالطبع، نتوقع من السلطات الأمنية توفير الحماية في الموقع المعني، في حالة حدوث خطر محدد"، ويضيف: "ولكن ما نتوقعه أكثر -في ضوء زيادة العنصرية ضد المسلمين- هو  المزيد من التضامن، والمزيد من التعاطف، والمزيد من العمل على جعل حياة المسلمين طبيعية في ألمانيا، وإدماج المسلمين وجمعياتهم ونشاطهم الاجتماعي في الحياة في ألمانيا". كما يتمنى من السياسيين أن يظهروا بكل وضوح، من خلال زيارتهم للمساجد، أن المسلمين جزء من ألمانيا.

وبالمناسبة، تحاول بعض إدارات المساجد، منذ وقت طويل، اتخاذ تدابير الحماية الخاصة بها. وبعضها يعين أيضا عناصر أمن. ويناشد المجلس المركزي للمسلمين المساجد المنتمية له المشاركة في برنامج SOAR لعموم أوروبا، والذي تدعمه المفوضية الأوروبية.

‏SOAR، اختصار لعبارة: "تعزيز أمن ومرونة المواقع والمجتمعات الدينية المعرضة للخطر". وخلفه يوجد خبراء يساعدون الأقليات الدينية في جميع أنحاء العالم لحماية منشآتهم. ومنذ عام 2021 صاروا ينشطون أيضا في فرنسا وألمانيا وغيرهما. وفي هذا العام يتركز الاهتمام على دعم النساء. وتنطلق الدورة القادمة في سبتمبر/أيلول 2023.

 

 

كريستوفر شتراك

ترجمة: ف.ي

حقوق النشر: دويتشه فيله 2023

 

ar.Qantara.de