عواصف دبلوماسية في الأفق المغربي الأوروبي

رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز مع الملك المغربي محمد السادس.
رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز مع الملك المغربي محمد السادس.

هل تكون الدبلوماسية المغربية على موعد مع صيف ساخن نظرا لتطورات تهدد بفتح جبهات توتر في علاقات الرباط بأكثر من عاصمة أوروبية؟ محمد طيفوري يحلل لموقع قنطرة مهددات العلاقات المغربية الأوروبية.

الكاتبة ، الكاتب: محمد طيفوري

تبقى تطورات المشهد السياسي في المملكة الإسبانية أحدث هذه المتغيرات، فالعاصفة السياسية التي أعقبت نتائج الانتخابات المحلية -يوم الأحد 28 مايو/ أيار الماضي 2023- ودفعت رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز إلى حل البرلمان وإعلان انتخابات تشريعية مبكرة -في 23 يوليو/ تموز 2023 بعد التراجع اللافت للاشتراكيين (28,1%) مقابل تقدم الحزب الشعبي اليميني (31,5%)- أوجدت هواجس لدى الرباط بشأن مستقبل العلاقات المغربية الإسبانية، مع تزايد فرص وصول الحزب اليميني -القوة السياسية الرئيسية في البلاد حاليا- إلى رئاسة الحكومة في أواخر يوليو/ تموز 2023.

فك المغرب لشيفرة "الجوار الصعب"

نجح المغرب -أخيرا- في فك شيفرة ما عُرِف تاريخيا باسم "الجوار الصعب"، بعد تدشين الطرفين -في ربيع العام الماضي 2022- مرحلة جديدة قوامها شراكة استراتيجية جعلت كلا منهما "حليفا وشريكا موثوقا" بالنسبة للآخر؛ فمدريد في صدارة الشركاء التجاريين للرباط، وتمثل الأخيرة ثالث شريك تجاري لها بعد بكين وواشنطن. فضلا عن ثمار عديدة أفرزتها دينامية هذه المرحلة، مثل: مشروع الربط البحري ومشروع الترشح الثلاثي (المغرب وإسبانيا والبرتغال) لاستضافة مونديال 2030. هذه الروح الإيجابية التي طبعت علاقة مدريد بالرباط، باتت مهددة في حال كسب الحزب الشعبي الاستحقاق الانتخابي القادم.

كان هذا الحزب من أشرس معارضي اتفاق أبريل/ نيسان 2022 بين البلدين، وذهب إلى حد اتهام الحكومة اليسارية بالتفريط في الحياد التاريخي لإسبانيا في نزاع الصحراء، والانحياز لصالح المغرب بقرارها دعم مقترح الحكم الذاتي. وشكلت المطالبة باستعادة مدريد موقعها التقليدي في شمال أفريقيا -مع الاقتصار على دعم قرارات الأمم المتحدة في ملف الصحراء- جزءا أساسيا من النقد الموجه لحكومة سانشيز.

 

الداخلة، الصحراء الغربية استقبلت منتدى كرانس مونتانا في منتصف شهر مارس/ آذار 2019 - Crans Montana Forum in Daakhla Western Sahara Foto DW
إنذار بعودة التوتر في علاقات الرباط الدبلوماسية مع أكثر من عاصمة أوروبية: خصوصا بعد اختيار المغرب -في خطاب ملكي بمناسبة الذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب- ملف الصحراء معيارا واضحا يحدد على أساسه شركاءه من خصومه، ويضبط العلاقات التجارية والاستراتيجية مع باقي الدول بناء على وضوح المواقف من قضية الصحراء. … واضح أن الدبلوماسية المغربية على موعد مع صيف ساخن هذا العام 2023، نظرا لتطورات تهدد بفتح جبهات توتر في علاقات الرباط بأكثر من عاصمة داخل أوروبا، وتحمل في طياتها رسالة طالما قوبلت بالتجاهل من صناع القرار في المملكة، مفادها أن حل ملف الصحراء داخلي في الرباط قبل أن يكون موضوع مساومة وابتزاز من قبل الخارج، وفق ما يكتب محمد طيفوري. في الصورة داخل المقال: منطقة الداخلة -في الصحراء الغربية- استقبلت منتدى كرانس مونتانا في منتصف شهر مارس/ آذار 2019.

 

مواقف الحزب الشعبي الإسباني اليميني

يعزز ذلك كله من فرص مراجعة الحكومة المقبلة -متى كانت يمينية- موقف الحكومة الاشتراكية، والاستعاضة عنه بمواقف إسبانيا التاريخية في هذا النزاع. لا سيما وأن الحزب يمتلك أكثر من ورقة لتبرير تغيير موافقه، لعل أبرزها تأخر المغرب في تنفيذ مخرجات اتفاق الشراكة، خصوصا نقطة تحويل مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين إلى معبر جمركي رسمي، ما حدا بصحيفة "إل باييس" إلى الحديث عن وجود "عرقلة مغربية". يحمل هذا الكلام جانبا من الصحة، فالمغرب -في ما يبدو- واعٍ بتبعات القرار، فهو يخشى تكرار خطأ تاريخي شبيه بذاك الذي ارتكبه السلطان محمد الرابع عند توقيعه "اتفاقية واد راس" (1860). وما احتجاج الرباط في الأسابيع الماضية -على تصريح لنائب رئيس المفوضية الأوروبي مارغريتيس شيناس اعتبر فيه سبتة ومليلية أراضي إسبانية- سوى دليل على ذلك.

الحزب وهو في موقع المعارضة ليس هو الحزب ذاته حين يمسك بزمام الحكم والتدبير، وهذا دفْعٌ يعتبره الكثيرون كافيا للاطمئنان إلى أن تولي الحزب الشعبي قيادة الحكومة المقبلة سيكون بناءً على مصالح الدولة العميقة (في مجالات الاقتصاد، الهجرة، الأمن...) ووفق حساباتها، لا على مواقف وأيديولوجيا الأحزاب السياسية. فضلا عن أن مواقف الحزب اليميني تاريخيا في تناغم تمام مع مواقف الدولة، بإعلانه الحياد السلبي من دعم أية حركة انفصالية داخل أوروبا وخارجها.

موقف اليمين الإيطالي الحاكم

وهذا بعكس مجريات الأحداث في إيطاليا تماما، التي دشنت حكومتها اليمينية بقيادة جورجا ميلوني -من حزب "إخوة إيطاليا" (FDI) اليميني القومي الشعبوي بحضور سفير روما في الجزائر، جوفاني بوجليس بتاريخ 16 مايو/ أيار الماضي 2023- مكتبا قنصليا في مدينة تندوف حيث تتواجد المراكز الإدارية لجبهة البوليساريو، بغرض منح امتيازات للصحراويين وتسهيل تقديم طلبات التأشيرات لصالح سكان مخيمات اللاجئين الصحراويين.

وبذلك تكون إيطاليا أول دولة في منطقة شنغن تتخذ خطوة بهذه الجرأة، وتفتح منشأة قنصلية في مدينة تعداد سكانها 160 ألف نسمة، في أقصى جنوب شرق البلاد -على بعد 1800 كيلومتر من العاصمة- قرب حدود المغرب وموريتانيا.

 

 

وفي معرض تبريره لدواعي اتخاذ حكومة روما لمثل هذه المبادرة، أكد ممثل الدبلوماسية الإيطالية، في تصريح له على وجود "تاريخ مهم من التضامن مع القضية الصحراوية وأوضاع اللاجئين الصحراويين في المخيمات". وكأنه بذلك يحيل، ولو بشكل ضمني، على دعم ومناصرة جورجا ميلوني التاريخي لجبهة البوليساريو، فقد خصّت رحلتها إلى مخيمات اللاجئين -عام 2002- بصفحات في سيرتها الذاتية، ومما جاء فيها: "هناك فهمت ما يعنيه أن تحب أرضك حقا... شربت الشاي في الصحراء مع النساء الصحراويات اللاتي ينتمين إلى هذا الشعب الفخور بنفسه".

محاولة تطويق الأزمة في مهدها

حاول المغرب تطويق هذه الأزمة في مهدها، بقيام ناصر بوريطة -وزير الشؤون الخارجية والتعاون- بزيارة عمل إلى العاصمة الإيطالية روما، بتاريخ 5 يوليو/ تموز الجاري 2023، التقى خلالها بنظيره الإيطالي أنطونيو تاجاني -الذي يشغل كذلك منصب نائب رئيس مجلس الوزراء- لبحث خطة عمل تحدد الأولويات الأربع للعلاقات المغربية الإيطالية؛ بدءاً بتعزيز الحوار السياسي حول القضايا الإقليمية في أفريقيا والبحر الأبيض المتوسط ثم ترسيخ التعاون الاقتصادي والثقافي، ثم تعزيز التنسيق الأمني، وانتهاءً بإنشاء آلية استشارية حول الهجرة والشؤون القنصلية.

وتبقى تقلبات الأزمة المفتوحة مع الاتحاد الأوروبي أعقد هذه التطورات، فزيارة جوزيب بوريل -ممثل الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي- للمملكة المغربية مطلع العام الجاري 2023 لم تضع حدا لسوء الفهم الكبير بين الطرفين -رغم تواتر الأحاديث هنا وهناك عن فتح صفحة جديدة بين الرباط وبروكسيل- لا سيما بعد رفض الاتحاد الأوروبي -شهر مارس/ آذار الماضي 2023- طلبا تقدمت به مجموعة التحالف الأوروبي الحر لإنشاء قسم خاص بالصحراء داخل دائرة العمل الخارجي الأوروبي.

تعزيز الثقة بين الطرفين سرعان ما تراجع بعد رفض الاتحاد الأوروبي الدخول في مفاوضات مع المغرب لتجديد اتفاقية الصيد البحري، المرتقبة نهايتها في 17 من شهر (يوليو/ تموز 2023)، مبررا ذلك بانتظار معرفة مضمون حكم يُتوقع صدوره أواخر العام الجاري 2023، عن محكمة العدل الأوروبية بشأن الاتفاقية، بسبب الصيد في مياه الصحراء.

 

رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز مع الملك المغربي محمد السادس. Marokko - Spaniens Pedro Sanchez bei König Mohammed VI Foto Picture Alliance Marokko - Spaniens Pedro Sanchez bei König Mohammed VI Foto Picture Alliance
روح إيجابية -طبعت علاقة مدريد بالرباط- باتت مهددة: مدريد في صدارة الشركاء التجاريين للرباط، وتمثل الأخيرة ثالث شريك تجاري لها بعد بكين وواشنطن. فضلا عن ثمار عديدة أفرزتها دينامية هذه المرحلة، مثل: مشروع الربط البحري ومشروع الترشح الثلاثي (المغرب وإسبانيا والبرتغال) لاستضافة مونديال 2030. هذه الروح الإيجابية التي طبعت علاقة مدريد بالرباط، باتت مهددة في حال كسب الحزب الشعبي اليميني الاستحقاق الانتخابي المقبل في الانتخابات التشريعية المبكرة في 23 يوليو/ تموز 2023 بعد التراجع اللافت للاشتراكيين. وفي إيطاليا دشنت الحكومة الإيطالية اليمينية بقيادة جورجا ميلوني -من حزب "إخوة إيطاليا" (FDI) اليميني القومي الشعبوي بحضور سفير روما في الجزائر، جوفاني بوجليس بتاريخ 16 مايو/ أيار الماضي 2023- مكتبا قنصليا في مدينة تندوف حيث تتواجد المراكز الإدارية لجبهة البوليساريو، بغرض منح امتيازات للصحراويين وتسهيل تقديم طلبات التأشيرات لصالح سكان مخيمات اللاجئين الصحراويين. وبذلك تكون إيطاليا أول دولة في منطقة شنغن تتخذ خطوة بهذه الجرأة، بحسب ما يكتب محمد طيفوري.

 

صيف ساخن - اهتزاز الثقة من جديد

واهتزت الثقة من جديد، يوم الخميس 15 مايو/ آيار 2023 بعد مصادقة البرلمان الأوروبي، بأغلبية مطلقة (417/97) على التوصيات المرفقة بتقرير يتهم دولا أوروبية (اليونان وإسبانيا وبولندا) باستخدام برنامج التجسس بيغاسوس، ويتحدث عن مؤشرات واضحة حول قيام المغرب ورواندا بالتجسس على بعض رؤساء الدول الأوروبية.

واضح أن الدبلوماسية المغربية على موعد مع صيف ساخن هذا العام 2023. فما سبق ذكره من تطورات يهدد بفتح جبهات توتر في علاقات الرباط بأكثر من عاصمة داخل أوروبا، ويحمل في طياته رسالة طالما قوبلت بالتجاهل من صناع القرار في المملكة، مفادها أن حل ملف الصحراء داخلي في الرباط، قبل أن يكون موضوع مساومة وابتزاز من قبل الخارج.

 

 

محمد طيفوري

حقوق النشر: موقع قنطرة 2023

ar.Qantara.de

 

كاتب وباحث مغربي في كلية الحقوق في جامعة محمد الخامس في الرباط. عضو مؤسس ومشارك في مراكز بحثية عربية.

 

 

اقرأ/ي أيضًا |

 

المغرب: سلطوية ناعمة وبرلمان صوري؟

أهدر المخزن فرص تاريخية قلما يجود بها التاريخ للإصلاح

المغرب....نهاية الاستثناء وعودة السلطوية الفجة