رهان خطير على كسب الوقت

وصلت التحولات في العالم العربي حتى سوريا، بيد أنَّ إسرائيل قد تقود نفسها إلى العزلة كما يقول آفي بريمور السفير الإسرائيلي السابق في ألمانيا ومدير مركز الدراسات الأوروبية في جامعة آي دي سي الخاصة في مدينة هرتسليا.

الصورة ا ب
يرى بريمور أنَّ نتنياهو يدرك بلا ريب أنَّ إسرائيل قد وقعت في عزلةٍ عالميةٍ بشكلٍ غير مسبوقٍ في تاريخها، وأنَّ هذه العزلة ستتفاقم من جراء التحولات الحالية في العالم العربي.

​​ عند انتخابه للمرة الأولى في عام 1996 رئيسًا للوزراء في إسرائيل لم يكُن بنيامين نتنياهو يتمتع أصلاً بسمعة صانع سلام. وكان انتخابه يشكل خطرًا كبيرًا يكمن في وقوع البلاد في عزلةٍ عالميةٍ. لكنه لم ينجح بسرعة في إقناع السياسيين الأمريكيين والأوروبيين فقط بنواياه الإيجابية، بل استطاع أيضًا إقناع قادة دولٍ عرب لهم علاقات بإسرائيل، مثل العاهل الأردني والرئيس المصري، وكذلك قادة الدولة في المغرب وتونس ودول الخليج. وحتى أنَّ الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات صار واثقًا من هذه النوايا بشكلٍ تدريجيٍ في ذلك الحين.

لكنَّ نتنياهو خذل الجميع في نهاية المطاف. كما خذل جزءًا كبيرًا من منتخبيه الإسرائيليين. وقد قال المستشار الألماني هلموت كول ذات مرةٍ في محادثةٍ خاصةٍ إنَّه استقبل نتنياهو أربع مراتٍ في العاصمة بون وأجرى معه محادثاتٍ أخرى في إطار مؤتمراتٍ دوليةٍ. وقال إنَّ نتنياهو وعد في كلِّ مرةٍ بالكثير من الأشياء. وقال إنَّه (أي هلموت كول) كان يعتقد أنَّ من واجبه تشجيع نتنياهو على الوفاء بوعوده. إلا أنَّ نتنياهو لم يفعل أيَّ شيءٍ للأسف. تولى نتنياهو في أوائل عام 2009 منصب رئيس الوزراء للمرة الثانية، ووعد متحدثيه في جميع أنحاء العالم مراتٍ كثيرةً بالانفتاح في مسائل مفاوضات السلام والاستعداد لتقديم التنازلات.

خيبة الأمل الكبيرة

الاستيطان في القدس، الصورة ا ب
تراجع سياسي: كان نتنياهو قد أعلن في حزيران/يونيو 2009 عن وقف بناء المستوطنات فترة عشرة أشهر، لكنه لم يلتزم بهذا منذ ذلك الحين. وبحسب منظمة بتسيلم الإسرائيلية لحقوق الإنسان يعيش اليوم نحو 300 ألف مستوطنٍ في الضفة الغربية و 190 ألفـًا آخرين في المناطق العربية شرقي القدس.

​​

وألقى في حزيران/يونيو 2009 خطابًا مُلفتـًا أيَّد فيه حل الدولتين. لا بل وأيَّد المفاوضات المباشرة مع الحكومة الفلسطينية وشرع بهذه المفاوضات وقبِلَ بإيقاف بناء المستوطنات فترة عشرة أشهر. وأعلن علاوة على ذلك تأييده لمفاوضات السلام مع سورية. لكنْ تبيّن في المحصلة أنَّ كل هذا مجرّد تمويه غايته الحفاظ على سياسة حزب الليكود التقليدية. أي عدم تقديم أيِّ تنازلاتٍ حقيقيةٍ لا غنى عنها من أجل تحقيق السلام.

سياسة أقلقت الرأي العام في جميع أنحاء العالم، لكنها لم تقلق معظم الإسرائيليين. وهم يشعرون اليوم بأنَّ الأوضاع في إسرائيل تميل للإيجابية. ومشكلتهم الأهم، أي الأمن، لم تعُد مطروحةً في الوقت الحالي. فليس هناك سوى ضرباتٍ إرهابيةٍ متفرقةٍ كما حصل مؤخرًا في الضفة الغربية، وبصرف النظر عن إيران لا يبدو لهم أنَّ هناك خطرًا كامنًا في التحولات الجارية في البلدان المجاورة. وقلما كان الوضع الاقتصادي جيدًا كما هي الحال الآن. فتأثير الأزمة الاقتصادية العالمية كان طفيفًا للغاية، ومعدلات نمو الناتج القومي الإجمالي المرتفعة لا تقارن إلا بمعدلات نمو أكبر الدول الصاعدة في آسيا. وبذلك ينخفض أيضًا معدل البطالة.
حالة عزلة

الصورة ا ب
إحجام عن المفاوضات: يخشى محمود عبّاس مثل بقية دول العالم من إجراء نتنياهو مفاوضاتٍ واهيةٍ بهدف كسب الوقت والظهور بشكلٍ إيجابيٍ أمام الرأي العام العالمي.

​​ إنَّ انتقاد العالم للسياسة الإسرائيلية ليس جديدًا على الإسرائيليين. وهم يعتقدون أنَّ بإمكانهم التعامل معه بشكل جيد. بيد أنَّ نتنياهو على عكس مواطنيه يدرك بلا ريب أنَّ إسرائيل قد وقعت في عزلةٍ عالميةٍ بشكلٍ لم يحدث قط من قبل في تاريخها وأنَّ هذه العزلة ستتفاقم من جراء الأحداث والتحولات الجارية حاليًا في العالم العربي، والتي وصلت حتى البلد المجاور سورية. إنه يدرك مدى الخطورة التي يمكن أن تؤدي إليها هذه الحالة، فإسرائيل دولةٌ صغيرةٌ تعتمد اعتمادًا كبيرًا على المجتمع الدولي. فهل يمكنه الخروج من هذا المأزق بالكلام الواهي وحده؟ يقول أبراهام لينكون إنه من الممكن خداع بعض الناس بشكلٍ دائمٍ، أو خداع كلِّ الناس في بعض الأحيان، لكنْ لا يمكن خداع كل الناس بشكلٍ دائمٍ. فهل توصّل نتنياهو إلى هذا الاستنتاج؟ لقد وعد مؤخرًا بعرض مبادرة سلامٍ جديدةٍ و "مفاجئةٍ".

فقد أخبر المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي وجّهت إليه مؤخرًا كلماتٍ واضحةً بأنه يُحضّر الآن خطابًا مهما يُفضِّل أنْ يلقيه في شهر أيار/مايو أمام الكونغرس الأمريكي، حيث فاز أصدقاؤه الجمهوريون بالأكثرية قبل فترةٍ قصيرةٍ. لا بد لنتنياهو في البداية من إقناع ناخبيه بالضرورات المُلِحّة التي تفرضها الأوضاع. ولتحقيق هذه الغاية يقوم بالعزف على وترٍ كان قد عزف عليه من قبله سلفاه آرييل شارون وايهود اولمرت، وكلاهما ينتمي في الأصل إلى المعسكر القومي اليميني. فالدولة الثنائية القومية كما يقول، أي إسرائيل التي من شأنها يومًا ما أنْ لا تتخلى عن الأراضي المحتلة وأنْ تضمها وسكانها العرب، ستكون بالنسبة للدولة اليهودية بمثابة الكارثة. ويضيف إنَّ إسرائيل لن تستطيع عندئذٍ أنْ تتصرف كما تشاء على الأراضي المحتلة، لأنَّ ضغوط العالم الخارجي سوف تغدو خطيرةً جدًا.

شبه انعدام الاستعداد للتفاوض

يدّعي نتنياهو مرارًا وتكرارًا وحتى الآن برغبته في إجراء محادثاتٍ مباشرةٍ وغير مشروطةٍ مع الفلسطينيين. وبالرغم من ذلك لا يريد أنْ يعرض الخطوط الرئيسة لأفكاره الخاصة بالسلام لا على الفلسطينيين ولا على الأمريكيين. إنه غير مستعدٍ للحديث عن النقاط الجوهرية لاتفاق السلام، مثل الحدود النهائية بين إسرائيل والدولة الفلسطينية المستقبلية. وهو لا يستطيع عرض خطةٍ لأنه يعرف أنَّ من شأن تصوراته أنْ تستدعي استياء المجتمع الدولي أو استياء حزبه وائتلافه.

قـٌبيل سقوطه السياسي كان رئيس الوزراء ايهود اولمرت الذي سبق نتنياهو قد اقترب كثيرًا من اتفاق سلام مُفصَّلٍ في محادثاته مع الفلسطينيين. كان هناك حديثٌ عن دولةٍ فلسطينيةٍ تقوم على حدود 1967 بعد مبادلة أراضٍ معينةٍ. ما يعني أيضًا إخلاءً واسعًا لمستوطناتٍ يهوديةٍ. بيد أنَّ نتنياهو لا يستطيع القبول بهذا لأسبابٍ أيديولوجيةٍ ولاعتباراتٍ ائتلافيةٍ. وهذا بالضبط ما يعرفه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وما يدفعه لعدم قبول التفاوض مع نتنياهو.

يخشى محمود عبّاس مثل بقية دول العالم من عزم نتنياهو على إجراء مفاوضاتٍ واهيةٍ بهدف كسب الوقت والظهور بشكلٍ إيجابيٍ أمام الرأي العام العالمي. هل يُفترض في الخطاب الجديد الموعود أن يُشكـِّل منعطفًا في السياسة الإسرائيلية؟ وهل نتنياهو مستعدٌ هذه المرة للقيام بخطواتٍ حاسمةٍ، أم أنه لا يريد سوى كسب الوقت من خلال سعيه لخداع الجميع؟ هنا يغلب التشكك لدى الإسرائيليين.

آفي بريمور
ترجمة: يوسف حجازي
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2011

حقوق النشر: صحيفة زودويتشه تسايتونغ الألمانية / قنطرة 2011

قنطرة

حوار مع المفكر العربي صادق جلال العظم:
"الثورات العربية قطيعة كاملة مع إرث الأيدولوجيات"
يعد المفكر السوري صادق جلال العظم من أبرز المثقفين العرب الذين يتخذون مواقف واضحة من قضايا حقوق الإنسان وحرية التعبير. في حواره التالي مع موقع قنطرة يتحدث العظم عن ضرورة النقد الذاتي من طرف المثقفين العرب بعد نجاح الثورتين في مصر وتونس. منى نجار التقته في بيروت.

إسلاميو ما بعد الثورات:
من ترف التنظير إلى اشتراطات الواقع
يطالب الإعلامي والباحث الأكاديمي خالد الحروب بأن يتبنى الإسلاميون وبوعي وإدراك منهج المشاركة في الحكم وليس السيطرة عليه من خلال التوافق على قواعد اللعبة الديموقراطية والتي أحد أسسها الرئيسية الحفاظ على حقوق الأقليات وحرياتها بالتوازي مع التعبير عن رأي الأغلبية.

حدود الإصلاح في المملكة العربية السعودية:
الجلوس على فوهة بركان
الحكم في المملكة العربية السعودية يقوم على تحالف تقليدي بين علماء الدين الوهابيين والأسرة الحاكمة منذ القرن الثامن عشر. هذا التحالف يقصي المواطنين الشيعة ويغلق الباب لذلك أمام أي إصلاح حقيقي يزيل التصدعات الدينية والاجتماعية في السعودية وفق تحليل الخبير الألماني المعروف غيدو شتاينبيرغ.