
أساطير "محور المقاومة" الشيعي في إيران ولبنان واليمن وسوريا والعراقما هي أسباب هروب خامنئي إلى البروباغندا النازية؟
قوة بعض الأساطير أبدية. وحين يكون راوي الأساطير شخصًا مثل حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، فعندئذ تتحوَّل الرواية إلى وصف سياسي للوضع الحالي وتعليمات للأتباع.
في الثامن من شهر أيَّار/مايو 2020، ألقى حسن نصر الله من على محطته التلفزيونية الخاصة، تلفزيون المنار، خطابًا مطوَّلًا سبق الإعلان عنه وكان ينتظره الكثيرون بفارغ الصبر. لقد كان نصر الله متأكِّدًا من أنَّ خطابه هذا سيتم سماعه باهتمام في ذلك المساء ليس فقط في لبنان وإيران، بل وحتى في ألمانيا.
إذ إنَّ حسن نصرالله كان لديه الكثير ليتحدَّث حوله من داخل مخبئه في ذلك المساء بعد الإفطار الرمضاني: حول الأزمة اللبنانية التي لا تريد الانتهاء، وحول فيروس كورونا القاتل المتفشي في بلاده، وكذلك حول حظر نشاطات أتباعه في ألمانيا، الذي كان قد فرضه قبل أسبوع وزيرُ الداخلية الألماني هورست زيهوفر عضو الحزب الاجتماعي المسيحي (CSU).
موقع الأسطورة: محطة حافلات
لقد لخَّص حسن نصر الله جميع هذه الأزمات والكوارث المختلفة في أسطورة شيعية، بقوله: ليس فقط حزب الله وحده، بل أيضًا "محور المقاومة" كله محاصر حاليًا في "شِعْب أبي طالب"، مثلما حصل في السابق مع النبي الحبيب محمد. هكذا وصف زعيم حزب الله حال حزبه في لبنان، وحال مرشده الأعلى في طهران وكذلك حال أتباعه في ألمانيا.
و"محور المقاومة" هو مرادف لجميع الناشطين الشيعة وأفراد التنظيمات شبه العسكرية الشيعية في جميع أنحاء العالم. بعد هذا الخطاب، أدرك الشيعة الملتزمون على الفور ما هو الوضع الذي يوجد فيه محورهم ويوجدون فيه هم أنفسهم - وما الذي يجب عمله.
"شعب أبي طالب" لم يعد موجودًا اليوم. أمَّا موقع هذه الأسطورة الشيعية فقد صار محطة للحافلات غير بعيدة عن الكعبة، بيت الله الحرام في مكة. إنه مصير اعتيادي دنيوي صار من نصيب هذا الموقع المهم في التاريخ الشيعي، والمعروف بقدسيته بالنسبة للشيعة، يعود سببه إلى أنَّ الوهابيين الذين يحكمون السعودية يعتبرون الرواية الشيعية محضَ هراء وأخبارًا زائفة.
جميعنا محاصرون مثل النبي في زمانه

وبحسب الأسطورة فإنَّ محطة الحافلات هذه، التي كانت في السابق "شِعب أبي طالب"، كانت تعود ملكيتها إلى أبي طالب، عمّ النبي وكذلك والد عليّ بن أبي طالب، إمام الشيعة الأوَّل. في عام 617 ميلادي كان لا بدّ له من أن يُنقذ ابن أخيه المهدَّد والمستضعف. في تلك الأيَّام كان النبي محمد يدَّعي منذ سبعة أعوام أنه رسول من الله ويدعو لدينه.
في البداية لم يأخذ زعماء القبائل وأقوياء مكة دعوة محمد على محمل الجدّ، وكانوا يتجاهلون أو يسخرون من هذا الرجل، الذي كان يتلو آيات قرآنية عبر أزِقَّة مكة. ولكنهم ضاقوا بمحمد ودعوته، لأنَّه كان يكسب مؤيِّدين بشكل متزايد. ثم صار الوضع يزداد خطورة، وكان هناك خطر على حياة المؤمنين، ومن ثم اضطر النبي وأتباعه القلائل إلى الاختباء.
منح أبو طالب ابن أخيه وطائفته الصغيرة ملجأ يلوذون إليه في واديه (شِعب أبي طالب). عاش النبي محمد والمؤمنون حياة صعبة طيلة ثلاث سنين في حصار شديد. وكان يتم تهريب الطعام والمياه إلى الوادي أثناء الليل.
وبعد هذه الفترة الأليمة، بدأت وحدة الخصوم في الانهيار - إذ لم يعرفوا كيف يجب عليهم التعامل مع محمد. وفي النهاية سُمح للمجموعة الصغيرة بمغادرة الوادي. ومع رفع الحصار بدأت مسيرة نصر الدين الجديد. ونحن نعرف البقية.
الله مع الصابرين
بعد ذكره هذه الأسطورة، استشهد حسن نصر الله في خطابه بآية من القرآن، يُقال إنَّ سبب نزولها على النبي محمد هو هذا الحصار الذي استمر ثلاث سنين:
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ".
وهذا يعني في خطاب حسن نصر الله: صحيح أنَّ النصر مؤكَّدٌ، ولكن الانتصار يحتاج إلى الصبر؛ ولذلك كونوا صبورين مثلما كان النبي الحبيب محمد في السابق.
يعتبر خطاب حسن نصر الله في الواقع منعطفًا. فهو يرى "محور المقاومة" في وضع حصار وينصح بالصبر. وهذا يسري أيضًا على أتباعه وأنصاره في ألمانيا. فقد ألغى حزب الله للمرة الأولى منذ تأسيسه ما يسمى بمسيرات يوم القدس، حيث تقرَّر عدم إجراء المسيرات المناهضة لإسرائيل في يوم الجمعة الأخيرة من رمضان - ليس فقط في لبنان، بل في جميع أنحاء العالم وحتى في العاصمة الألمانية برلين. فمن الواضح أنَّ التصعيد مع ألمانيا غير مناسب وغير مفيد في هذه الوقت.

وقد كان ردُّ حسن نصر الله معتدلًا حتى على حظر حزب الله من قِبَل وزير الداخلية الألماني. ولم يقل أية كلمة إدانة أو شكوى بسبب وصف وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر حزبِ الله بأنَّه تنظيم إرهابي. قال نصر الله إنَّ حزب الله لا يوجد لديه أعضاء في ألمانيا، وقد دعا جميع اللبنانيين في ألمانيا إلى احترام القانون. يبدو أنَّ أوقات الحملات اللفظية الهجومية قد انتهت، وباتت شعارات الصبر هي الرائجة.
وبهذا فإنَّ الأمين العام لحزب الله يناقض بشكل علني وواضح مرشده ومثاله الأعلى، المرشد العام للثورة، الإيراني علي خامنئي، الذي لا يدعم حزب الله اللبناني فقط، بل "محور المقاومة" كله. يواصل خامنئي اعتبار نفسه في وضعية هجومية: فهو يبحث عن التصعيد، على الأقل لفظيًا. فقد نشر زعيم إيران الديني عشية يوم القدس ملصقًا على موقعه الرسمي على الإنترنت يُصوِّر فلسطين "الحرة"، بينما يحرص على التعبير النازي الدعائي "الحلُّ النهائي" (للمسألة اليهودية).
استفزاز مسبق التخطيط
يحمل الملصق المنشور بكلّ من اللغة الفارسية والعربية والإنكليزية عنوان: "فلسطين ستتحرَّر. الحلُّ النهائي، المقاومة حتى الاستفتاء". يُرى تحت الكتابة رسمٌ لجنود من دول إسلامية يلوِّحون بالأعلام الفلسطينية وصورة الجنرال الإيراني قاسم سليماني، الذي قتلته الولايات المتَّحدة الأمريكية. وفي المقدمة نرى المسجد الأقصى مع الحرم القدسي (جبل الهيكل)، وفي الخلفية قبة الصخرة.
وعبارة "الحلّ النهائي" ليست زلَّةً ولا مصادفة. ذلك لأنَّ أهم مستشاري خامنئي في شؤون السياسة الخارجية مثل علي أكبر ولايتي أو كمال خرازي قد تخرَّجوا من جامعات أمريكية. وهم يعرفون المشاعر التي تثيرها كلمة "الحلّ النهائي" فيما يتعلق باليهود لدى الرأي العام الغربي. وخامنئي أيضًا يعرف ذلك. فهذا عبارة عن استفزاز مُبرمَج. لا يمكن للمعنيين في إيران تجنُّب الانطباع بأنَّهم ينتظرون -بل إنهم يتطلَّعون إلى- ردود فعل حادة من دول الخارج.