أعمال فنية للكويتية منيرة القادري في الغرب
إحساس فني بالرهبة أمام عظمة الكون

تقول منيرة القادري: "ليس بوسع المرء إن أمسك حجارة نيزك بقبضته إلا أن ينتابه شعور روحاني بأبعاد الكون السرمدي الذي نتواصل نحن البشر معه على الدوام ". وهذا الشعور بالرهبة أمام عظمة الكون هو ما تطمح الفنانة الكويتية لإيصاله من خلال معروضاتها الفنية. في متحف "بيت الفنون" بمدينة ميونخ الألمانية أعمال لإحدى أشهر الفنانات المعاصرات من منطقة الخليج العربية، معروضة حتى آخر شهر أغسطس / آب 2020. الصحفية الألمانية كلاوديا مِندِه زارت المعرض وتسلط الضوء لموقع قنطرة على أعمال هذه الفنانة.

رمالٌ وأضواءٌ وحجارة، في عمل منيرة القادري الفني الذي أسمته "الرُبع المقدس" (في إشارة إلى صحراء الربع الخالي الشهيرة)، لا تعرض فيه تلك الصور الخيالية المعتادة عن الصحراء بقدرما تقدم فيه صورا مبهرة لمناظر طبيعية بعيدة أشد البعد عن كل مدنيَّة.

وقد قدّمت الفنّانة الكويتيّة عملها الفنيّ للجمهور يوم افتتاح المعرض معرّفةً به. ويتكوّن العمل من تماثيل من الزجاج سوداء اللون متناثرةٍ هنا وهناك، ومن عرض فيديو يرافقه نصٌّ مكتوبٌ وموسيقى تصويريّة. وتترك تلكم الصور المتحرّكة المعروضة على الجدار الأبيض الضخم وسطَ القاعة الداكنة أثرًا عظيمًا في النفس.

وسرعان ما يدرك الزائر أنّ القادري تتناول فنيّا مواضيع ذات طابعٍ دوليٍّ، مثل مسألة البحث عن مستقبلٍ للجنس البشريّ القابع تحت أغلال الأزمة المناخيّة. وهي تتبنّى في هذا الإطار صراحةً وجهة نظرٍ عربيّة تجاه تلك المسائل المطروحة.

انطباعاتٌ آتيةٌ من "الربع الخالي"

وتتراقص على شاشة العرض الحائطي صورٌ تُظهر كثباناً رمليّةً وتضاريس صخريّةً وفراغاتٍ شاسعةً وسط صحراء الربع الخالي، ذلك "المربع الفارغ" الواقع بين المملكة العربيّة السعوديّة والإمارات العربيّة المتّحدة وعُمان واليمن. في حين تبيّن صور شريط الفيديو ضآلة الإنسان في وجه قوى الطبيعة. وهنا لا مناص من أن تطفو تساؤلاتٌ عن معنى الحياة وعن جذور الوجود البشري على وجه الأرض.

 

أحد الأعمال الفنية للكويتية منيرة القادري المعروضة في الغرب. Foto: Maximilian Geuter/HdK
أزمةٌ نفسيّةٌ حادّةٌ تتراوح بين الإحساس بالرفاهيّة وبين الشعور بحالةٍ من الخواء الداخليّ كنتيجة لعصر النفط: يشير اللون الأسود للتماثيل الزجاجيّة إلى دور النفط في بلورة كلّ شيء. ولكن الفنّانة منيرة القادري على قناعةٍ بأنّ أولئك الذين ما زالوا يذكرون عصر ما قبل النفط هم وحدهم فقط من سيكون بإمكانهم تطوير مستقبلٍ خالٍ من هذا الوقود الأحفوري.

 

وُلدت منيرة القادري بالعاصمة السينغاليّة دكار عام 1983، ولكنّها ترعرعت في مسقط رأس والديها الكويت. وفي سن السادسة عشر انتقلت إلى طوكيو حيث درست تخصّص الفنون العابرة للوسائط والذي تخرّجت منه بالحصول على شهادة الدكتوراه عام 2010. وبعد بضعة أعوامٍ قضتها ببيروت انتقلت إلى العاصمة الألمانيّة برلين حيث تقيم حاليًّا.

وتتناغم اللقطات التي التُقِطَتْ من فوق طائرةٍ مسيّرةٍ (درون) تجوب أجواء الربع الخالي مع التماثيل الزجاجيّة السوداء الكرويّة الشكل والمنتصبة أمام شاشة العرض الحائطي. وتشكل قصّة رحلات الاستكشاف التي قام بها الرحّالة البريطاني سانت جون فيلبي، والتي جاب خلالها صحراءَ الربع الخالي في ثلاثينيات القرن المنصرم حلقة الوصل التي تربط محتويات هذا المشروع ذي الوسائط المتعدّدة.

كائنٌ خيالي ذو قدراتٍ أسطوريّة

وفي حين أن المستشرق جون فيلْبي كان يبحث عن أطلالٍ لمدينةٍ عتيقة، فإنّه قد اكتشف حفرةً لسقوط نيزكٍ، كأوّل أوروبي في تلك البقعة الخالية من الحياة البشرية، وأطلق على تلك الحفرة اسم الـ "وبَر". ولم تكن الحفرة -التي ظنّ المستكشف البريطاني أنّها فوّهة بركانٍ خامد- في الحقيقة سوى حفرةٍ ناجمةٍ عن اصطدام نيزكٍ آتٍ من السماء. ويُعتبر موقع الوبر إلى يومنا هذا أفضل مثالٍ لحفرة سقوط نيزكٍ عُثر عليها على وجه الأرض.

ولكن منيرة القادري ترى في بقايا النيزك تلك أكثرَ من مجّرد معلمٍ جيولوجي. إذ يتحوّل الوبر في عملها الفنيّ إلى كائنٍ خياليٍّ ذي قدراتٍ أسطوريّة حلّ من الفضاء على كوكب الأرض. إذ نسمع الوبر في المقاطع الصوتيّة المصاحبة للفيديو وهو يتلو مقتطفاتٍ من يوميّات جون فيلبي ممزوجةً بسردٍ لمعلوماتٍ مذكورةٍ في مجلّاتٍ علميّة وأيضًا أناشيد دينيّة.

وتوضّح الفنّانة قائلةً: "ليس بوسع المرءِ إن أمسك حجارة نيزكٍ بقبضته إلّا أن ينتابه شعورٌ روحانيٌّ بأبعاد الكون السرمدي والذي نتواصل نحن البشر معه على الدوام ".

وهذا الشعور بالرهبة أمام عظمة الكون هو ما كانت تطمح الفنّانة الكويتيّة لإيصاله من خلال معروضاتها الفنيّة. وتذكّرنا تلك المنحوتات الزجاجيّة بلآلئ الوبر، تلك الحجارةِ السوداء المشعّة المتناثرة على سطح حفرة سقوط النيزك، والتي نشأت لحظة ارتطام هذا الأخير برمال الصحراء. وفي الوقت ذاته فإن أشكال تلك الحجارة الشبيهة باللؤلؤ إشارةٌ لعصر ما قبل اكتشاف النفط بالكويت، يوم كان الغوص لصيد اللؤلؤ لا يزال المصدر الأساسي الذي يجني منه الناس قوت يومهم.

من خيمة البدو إلى ناطحات السحاب

وتنتمي منيرة القادري إلى جيلٍ شابٍّ من الفنّانين والفنّانات العرب الذين تناولوا تبعات الطفرة النفطيّة التي شهدتها بلدانهم على مجتمعاتهم. 

اقرأ أيضًا: مقالات مختارة من موقع قنطرة