
احتجاجات إيران 2019مرحلة "اللا عودة" في إيران: عنف الأمن مرآة لذعر نظام الملالي
في كتابك [تجدد انشحان الشعب] "The People Reloaded"، تتحدث عن الحركة الخضراء بوصفها حركة كانت سلمية في طبيعتها وأرادت تجنّب العنف. كيف ترى تطوّر الاحتجاجات الشعبية في إيرن؟ هل كان هناك تغيير في طبيعة احتجاجات 2009 و2017 و2018 وآخرها في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، وفي التعبير عنها؟
نادر هاشمي: تمثّلت أكبر الاختلافات بين هذه الاحتجاجات في المجالات التالية: الطبقة الاقتصادية والجغرافية والأيديولوجيا. في عام 2009، كان معظم المحتجين من الطبقة الوسطى، وقد حدثت في المدن الكبرى وكانت أيديولوجياً مرتبطة بعملية الإصلاح السياسي وتساند السياسين الإصلاحيين مير حسين موسوي ومهدي كروبي. وعلى النقيض من ذلك، اجتذبت الاحتجاجات في عامي 2017 - 2018 ومؤخراً في تشرين الثاني/نوفمبر 2019 مشاركة من الطبقات الاقتصادية الدنيا، من شباب عاملين في بلدات ومدن صغيرة من دون أي انتماء سياسي أو قيادة معروفة.
ويتمثّل الاختلاف في الشكل الذي اتخذتّه الاحتجاجات. ففي عام 2009، كانت الاحتجاجات غير عنيفة إلى حد كبير، بينما في 2017 - 2018 و2019 تضمّنت الاحتجاجات اعتداءات على بنوك، وحرق مبانٍ حكومية ومحطات وقود، إلا أنه ينبغي الإشارة بوضوح أنه في عام 2019 كانت معظم أعمال العنف من جانب قوات الأمن. كما هُوجِمت العديد من الاحتجاجت الثورية من قبل الشرطة ومسؤولين بملابس مدنية على صلة بالحرس الثوري الإيراني. وتوجد أدلة موثوقة على التدمير المتعمّد للممتلكات من قبل قوات الأمن بهدف تشويه سمعة المحتجين. يبدو هذا منطقياً بالنسبة لي. فحين يتعلق الأمر ببقاء النظام، لا تتقيد الجمهوريةُ الإسلاميةُ إلا بعددٍ قليلٍ جداً من الحدود الأخلاقية.

ويبدو التكوين الطبقي المتغيّر وشعارات المحتجين الأكثر راديكالية منطقية بالنسبة لي. فقد ازداد، خلال السنوات العشر الماضية، مستوى الفقر واللامساواة في إيران. كما ازداد النظام السياسي تَسَلُّطاً وشُوِّهت مصداقية السياسيين الإصلاحيين بسبب عجزهم عن إحداث تغيير مهم.
حين نَظَّمت منظمة العفو الدولية تقريرها الأول حول عدد الوفيات، كان من المتوقع أن تتفاعل الدول الأخرى بقوة أكبر مع الأمر. بيد أن الأصوات الأعلى جاءت من الجانب الأمريكي. إلى ماذا تعزو رد الفعل الخجول هذا، لا سيما من أوروبا؟ هل يتعلق ذلك بقطع الإنترنت وصعوبة الوصول إلى المعلومات فحسب؟
هاشمي: تفسّر عدة عوامل رد الفعل الحذر من قبل الحكومة الأوروبية. أولاً، هناك قلة من الصحفيين الأجانب المتمركزين في إيران والذين بإمكانهم تقديم معلومات دقيقة. فمثلاً توماس إردبرنك من صحيفة نيويورك تايمز، والذي يتكلم الفارسية بطلاقة، عاش في إيران لسنوات طويلة. ودائماً ما كانت تقاريره حول السياسة والمجتمع المحلي ممتازة، إلا أن النظام قد أسكته أيضاً [2019].
أما العامل الثاني فيتمثّل في وجود احتجاجات مناهضة للحكومة حول العالم، في العراق، ولبنان، وهونغ كونغ، وتشيلي، والجزائر، وإسبانيا، وهايتي، والإكوادور، وإثيوبيا...الخ. وفي هذا السياق، فإن إيران في موقع التنافس من أجل الحصول على الاهتمام. ثالثاً، أوروبا مُستهلكة بمشاكلها الداخلية الخاصة المتصلة بصعود شعبوية اليمين ونقاشات حول الهجرة والاندماج. وأخيراً، اعتقد أن العديد من الحكومات الأوروبية متعاطفة مع إيران بمعنى أنهم يرون سياسة دونالد ترامب العدوانية التي تتمثّل في "العقوبات الخانقة" بوصفها عامل مساهم في إنتاج هذه الاحتجاجات. هذه العوامل مجتمعة، تفسِّر على نطاق واسع رد فعل الحكومات الأوروبية الحذر والمحدود إزاء عمليات القتل في إيران.
إلى ماذا تعزو الفعل العنيف ضد الجماهير المحتجّة؟
هاشمي: ازدادت الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحشية وعنفاً في السنوات الأخيرة. وبعد توقيع الاتفاق النووي، كان هناك ارتفاع ثابت في القمع الذي تقرّه الدولة ضد المجتمع على كل المستويات. وما اعتقال ومقاضاة الناشطين البيئيين، إلا خير مثال على ذلك. إنه انعكاس لأزمة شرعية داخلية عميقة تواجه الجمهورية الإسلامية. يعرف المتشدّدون الإيرانيون أنهم لا يتمتعون بدعم الأغلبية وأنه في حال وجود انتخابات حرّة ونزيهة، فمن المرجح أن يفوز بالانتخابات المرشحون الذين يعارضون السياسة الداخلية والخارجية لعلي خامنئي.