باحثة فنلندية مسلمة: لدى أوروبا مشكلة مع الدين

تناقش الباحثة ليندا هيوكي -المعتنقة للإسلام- التمييز تجاه المسلمين في فنلندا والغرب. وتضرب مثالين على ازدواجية معايير الفردانية الغربية: الحجاب وتعدد شركاء العلاقات العاطفية. حاورها ماريان بريمر لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Marian Brehmer

عُرِّفت الإسلاموفوبيا بأنها "خوف وكراهية وعداء مبالغ بها تجاه الإسلام والمسلمين". كيف قررتِ تركيز أبحاث الدكتوراه الخاصة بكِ على الإسلاموفوبيا؟

ليندا هيوكي: لقد لاحظت، بصفتي أكاديمية، نقصاً في الأبحاث حول الإسلاموفوبيا في فنلندا. عموماً يُعتبر الإسلام دين مهاجرين. وعندما أثار تدفق الاجئين في عام 2015 موجةً جديدةً من الخطاب المعادي للإسلام في فنلندا، اعتقدت أنه سيكون من المثير للاهتمام البحث في موضوع الفنلنديين الذين نشؤوا في بيئة لا دينية، بيد أنهم اختاروا في نهاية المطاف اعتناق دين الإسلام.

ما الذي يسبّب الإسلاموفوبيا باعتقادك؟

ليندا هيوكي: للإسلاموفوبيا علاقة كبيرة بالظاهرة المعروفة بـ "تصنيف المسلمين كعرق (تعريق المسلمين)". إذ يُعامل المسلمون كما لو كان الإسلام عِرقاً. وبهذه الطريقة، يصبح التحامل ضد المسلمين عنصرية. إنها تستخدم المصطلحات ذاتها التي تُستخدم في العنصرية البيولوجية، ولهذا السبب غالباً ما يتحدث الباحثون عن "عنصرية مضادة للمسلمين". فلا تتعلق الإسلاموفوبيا بالصور النمطية والتحاملات فقط، بل هي شكل ذا طابع مؤسسي من التمييز. 

علاوة على ذلك، ينبغي التأكيد على أن الإسلاموفوبيا هي ليست مجرد الظاهرة التي برزت بعد هجمات مركز التجارة العالمي في عام 2001. فقد كان المسلمون عرضةً للتمييز قبل أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر بفترة طويلة. ما علينا سوى الاطّلاع على الاستشراق الأوروبي لنرى أن الشعور المعادي للإسلام له تاريخ طويل.

كيف يُنظر إلى اعتناق الإسلام في فنلندا؟

ليندا هيوكي: حتى إن ولدتَ وترعرعت في فنلندا، فبمجرد اعتناقك الإسلام تصبح "الآخر العنصري" لأنك لم تعد مقبولاً في "الثقافة الأصلية". وضع سياسيو الجناح اليميني المسلمين بمحاذاة عرق شمالي مفترض. وعندما تحدثت مرشحة الرئاسة السابقة لورا هتاساري من الحزب اليميني المتطرف الشعبوي "الحزب الفنلندي" ضد غطاء الوجه، أشارت إلى أن النساء المسلمات لا يتمتعن بحرية الاختيار واعتبرتهن مختلفات. إذ أن تعليقها: "أنا كامرأة من بلدان الشمال الأوروبي "نورديَّة" أملك الحرية لأقرر ارتداء السراويل أو التنانير"، يعني بالنسبة لي أنها تحاول استبعاد النساء المسلمات اللواتي يعشن في فنلندا من "نحن" ثقافي ومكاني.

والمفارقة هي أنه عند الحديث لغوياً، فإن فنلندا ليست حتى جزءاً من البلدان النوردية [أو بلدان الشمال - وهو اسم يُطلق على منطقة جغرافية تمتدُّ عبر شمال أوروبا وشمال المحيط الأطلسي] حيث تهيمن اللغات الهندو جرمانية [جزء من اللغات الجرمانية التي كانت تُستخدم في شمال أوروبا وتستخدم الآن في كل أنحاء العالم]، فاللغة الفنلندية ولغة السامي-التي يستخدمها السكان الأصليون في فنلندا -هما من اللغات الأورالية [عائلة لغوية في أوروبا وسيبيريا، أهمها المجرية والفنلندية والإستونية. أصل الاسم هو جبال أورال في روسيا].

ما هي أنواع التمييز التي لاحظتها تجاه معتنقي الإسلام؟

ليندا هيوكي: خلال عملي الميداني قابلت نساءً ورجالاً، في محاولة لتسجيل تجاربهم. فأخبرتني إحدى الفتيات كيف أن أمها اتصلت بخط مساعدة لضحايا الدين حين علمت أن ابنتها أصبحت مسلمة، مخافة أن تكون قد تعرضت لغسيل دماغ. 

"يُعتبر الحق في تعدد الزوجات في الإسلام مثيراً للجدل بشكل كبير في الغرب. لكن عند الحديث عن "تعدّد شركاء العلاقات العاطفية" في مفهوم نمط الحياة الحديث يبدو الغربيون أكثر ميلاً لتقبّل ذلك. عند فعل شيء لأسباب دينية يصبح الأمر مشكلة. لدى أوروبا مشكلة مع الدين".

امرأة مسلمة في ألمانيا. (photo: Georg Wendt/dpa)
تقول هيوكي أن ازدواج المعايير يحيط بالفردية الغربية: "المجتمع غير قادر على التكيف مع حفنة من النساء المحجبات. في نهاية اليوم، كل ما نتكلم حوله هو كيف يلبس الناس. مثال آخر: يعتبر الحق في تعدد الزوجات في الإسلام مثيراً للجدل بشكل كبير. لكن تكلم عن مفهوم نمط الحياة الحديث "تعدّد الشركاء" فيبدو الناس أكثر ميلاً لتقبّل ذلك. وفي اللحظة التي تفعل فيها شيئاً لأسباب دينية، يصبح الأمر مشكلة". في حوارها لموقع قنطرة تناقش الباحثة ليندا هيوكي –والتي اعتنقت الإسلام- أسباب التمييز، وسبل مكافحة الإسلاموفوبيا، وموضوع الحجاب المثير للخلاف في الغرب وكيفية دحض السردية الشائعة.

 

"بسبب حالات مؤسفة لملتحقين بجماعات متطرفة مثل "الدولة الإسلامية"، يُعمَّم على معتنقي الإسلام الغربيين بأنهم مغسولو الدماغ، وتصبح عقلانيتهم -وقدرتهم على اتخاذ قرارات صائبة حيال حياتهم- موضع شك وتساؤل. وفي هذا الكثير من التعالي."

وتحكي قصة أخرى عن فتاة تخرجت من المدرسة الثانوية كأفضل طالبة في عامها. وكما يقتضي التقليد، كان ينبغي أن تكون من تلقي خطاب التخرج لذلك العام. لكن لأنها مسلمة لم يسمح لها المدير بالحديث، مجادلاً بأن المدرسة لا تريد أن تتحدث عنها فتاة بحجاب. كما تحدثت إلى معتنقي إسلام يعملون في مجال الرعاية الصحية تعرضوا لمضايقات وإزعاجات في مكان العمل.

أين يأتي تمييز كهذا؟

ليندا هيوكي: في فنلندا، كما هو حال العديد من البلدان الأوروبية، الصورة السائدة هي أن الإسلام، بصفته ديناً أجنبياً، غير متوافق مع نمط الحياة الأوروبية. بيد أنه لا يبدو أن معتنقي الإسلام الفنلنديين قد شعروا بالوقوع في صراع. كفنلندية معتنقة للإسلام، يمكنني أن أعيش حياتي من دون المساس بثقافتي. 

وبسبب الحالات المؤسفة للذين يلتحقون بالجماعات المتطرفة مثل الدولة الإسلامية، يُعمَّم على معتنقي الإسلام أنهم مغسولو الدماغ. ولذلك فإن عقلانيتهم وقدرتهم على اتخاذ قرارات صائبة حيال حياتهم هما موضع شك وتساؤل. أجد في ذلك الكثير من التعالي.

فالحقيقة أن العديد من المسارات المختلفة تؤدي إلى الإسلام. فقد اختار بعض الناس الإسلام لأنهم يحتاجون إطاراً مستقراً لحياتهم، أما غيرهم فقد يكون أكثر اهتماماً بالنواحي الروحية للإسلام مثل الصوفية. ليس الأمر أبيض وأسود. وبالمقارنة مع المسلمين "الأصليين" الذين يولدون في مجتمعات أوروبية، لا نزال نحن معتنقي الإسلام متميزين بسبب "البياض" الخاص بنا. إذ يمكنني دائماً نزع حجابي- وحينها سأكون مجرد فتاة بيضاء أخرى ضمن الحشد. كما تنطوي الإسلاموفوبيا على جوانب الجندر والإثنية، لذلك دائماً ما تواجه النساء المسلمات الملونات المضايقة، سواء ارتدين حجاباً أم لا.

كيف يتكيف الناس مع هذا النوع من التمييز؟

ليندا هيوكي: لاحظت خلال بحثي أن العديد ممن أجريت معهم المقابلات اتّسموا بالمرونة. لقد بدأت بفكرة أن لدى الإسلاموفوبيا تأثيراً سلبياً  كبيراً على حياة معتنقي الإسلام وأنهم يعانون. بيد أن البعض يحب أن يعتبر ذلك اختباراً من الله – درساً في الصبر. قد يسألون: ما الطرق الموجودة للتعامل مع السلوك التمييزي غير العدواني؟ هل يمكنني أن أتغلب على الناس بالحجج؟ فبدلاً من الإيمان بدور الضحية السلبية، وجدت أن المسلمين في فنلندا جاهزون للحديث عن المظالم التي يواجهونها.

كيف تنظرين إلى المناقشات حول الحجاب التي أصبحت منتشرة بشكل كبير في العديد من البلدان الأوروبية الآن؟

ليندا هيوكي: سأناضل من أجل حق أي شخص في ارتداء ما يريد. بالنسبة لي، يَنُمّ النقاش بأكمله عن ازدواجية في المعايير: من ناحية، يروَّج للفردانية على الدوام بوصفها معياراً ثقافياً: "كُنْ نفسك!" ومن ناحية أخرى، يبدو المجتمع غير قادر على التكيف مع حفنة من النساء المحجبات. كما كان الحال مع موسيقى البانك في القرن الماضي.

في نهاية اليوم، كل ما نتكلم حوله هو كيف يلبس الناس. اِربِطْ ذلك بالدين وفجأة يتحول الموضوع إلى مشكلة. مثال آخر: يعتبر الحق في تعدد الزوجات في الإسلام مثيراً للجدل بشكل كبير. بيد أنك إن تكلمت عن مفهوم نمط الحياة الحديث "تعدّد الشركاء" فيبدو الناس أكثر ميلاً لتقبّل ذلك. وفي اللحظة التي تفعل فيها شيئاً لأسباب دينية، يصبح الأمر مشكلة. لدى أوروبا مشكلة مع الدين.

غالباً ما يجادل منتقدو الإسلام بأن المسلمين يرفضون أي نوع من النقد للإسلام باعتباره إسلاموفوبيا، ما رأيك في ذلك؟

ليندا هيوكي: يوجد خيط رفيع هنا. عندما تنتقد شيئاً، ينبغي أن تكون في حوار. أنت في نقاش حيث تحترم الآخر. بيد أنك عندما تستخدم لغة تشهيرية أو تجرد الآخر من إنسانيته، فإن ذلك لم يعد نقداً بعد الآن. كل شخص هو موضع ترحيب في انتقاد أو استجواب شيء ما. بَيْدَ أنَّ النقد ينبغي أن يأتي أيضاً باستعداد لتلقي الأجوبة أو التفسيرات من الطرف الآخر، مع إمكانية قبول الطرف الآخر، أو حتى إعادة النظر في رأيك في نهاية المطاف.

ما هي بعض طرق مواجهة الإسلاموفوبيا؟

"يجادل منتقدو الإسلام بأن المسلمين يرفضون أي نوع من النقد للإسلام باعتباره إسلاموفوبيا. لكن يوجد خيط رفيع هنا. عند الانتقاد يجب وجود حوار. والنقاش يعني احترام الآخر من دون لغة تشهيرية أو تجريد للآخر من إنسانيته. ومن دون ذلك لا يكون النقد نقداً."

 

"كل شخص هو موضع ترحيب في انتقاد المسلمين أو الاستجواب، لكن النقد ينبغي أن يترافق مع استعداد لتلقي الأجوبة أو التفسيرات من الطرف الآخر، مع إمكانية قبول الطرف الآخر، أو حتى إعادة نظر الشخص في رأيه في نهاية المطاف."

ليندا هيوكي: مواجهة الإسلاموفوبيا هي عملية متبادلة. يمكن للمجتمعات المسلمة أن تقوم بشيء حيال ذلك، غير أن المجتمعات غير المسلمة ينبغي أن تقوم بشيء. يوجد فرق هنا. كمسلمة لا أحتاج إلى الذهاب إلى الشارع وسؤال الناس: "أَتودُّ السماع عن الإسلام؟" بالطبع يمكن لأي شخص يتملكه الفضول أن يأتي ويسألني. بيد أن الحقيقة أنه سيكون هناك دوماً بعض الناس الذين لا يهتمون ولا يريدون أن يتعلموا. سيقولون دائماً أننا كمسلمين لا نفعل ما يكفي.

وفيما يتعلق بالتعليم في المدارس، ينبغي أن تُؤخذ الإسلاموفوبيا على محمل الجد بوصفها شكلاً من أشكال العنصرية وينبغي إدماجها في المنهج الدراسي. يجب أن نعلّم الأطفال أن هناك صلة بين الإسلاموفوبيا وغيرها من أشكال التمييز مثل معاداة السامية، والمركزية الأوروبية والعنصرية. وعلى المستوى القانوني فإن العديد من الدول الأوروبية لم تعترف بعد بالإسلاموفوبيا كشيء ينبغي اتّخاذ إجراء قانوني ضده. ومن شأن الاعتراف الرسمي أن يسهّل على الشرطة عملها في معالجة قضايا جرائم الكراهية، على سبيل المثال.

كيف تعتقدين أن أبحاثك يمكن أن تسهم في مقاومة الإسلاموفوبيا؟

ليندا هيوكي: أرى أن دوري كأكاديمية يكمن في إرباك السردية الشائعة. أحاول الجمع بين مساعيَّ الأكاديمية والنشاط الاجتماعي. كما أحاول رد الجميل للمجتمع الإسلامي والنظر إلى نفسي على أنني باحثة ناقدة. فأنا مسؤولة أمام الأشخاص الذين أجري الأبحاث حولهم. أريد تقديم الفروق الدقيقة الموجودة. 

ورغم أنني أعيش حالياً في تركيا، فإنني على اتصال مع شبكة الطلاب المسلمين في فنلندا. كما أنني أحاول التحدث حيثما كان ذلك ممكناً، في المؤتمرات والمناقشات ومنصات المحاضرات. حلمي أن يكون بلدي مكاناً شاملاً للجميع. فالمواطنة والانتماء لا ينبغي أن يُحددا وفقاً لدينك، وعرقك أو جنسك.

 

 

حاورها: ماريان بريمر

ترجمة: يسرى مرعي

حقوق النشر: موقع قنطرة 2019

ar.Qantara.de

 

ليندا هيوكي باحثة في مركز دراسات الإسلام والشؤون الدولية، وهي بصدد نيل شهادة الدكتوراه في معهد تحالف الحضارات.