
تراجع فيلسوف ألماني عن قبول جائزة الشيخ زايدفيلسوف التواصل هابرماس يرفض الحوار
سادت مؤخَّرًا أجواء تفاؤل في منطقة الخليج: فالمملكة العربية السعودية تتحدَّث مع عدوها اللدود إيران، ودول الخليج تنهي العزلة المفروضة على الإمارة العنيدة دولة قطر. وحتى أنَّ بعض هذه الدول عقدت معاهدات سلام وتطبيع مع إسرائيل، وغالبًا رغم رفض شعوبها.
وفي خضم ذلك كان من المقرَّر وضع كمية من القشدة الثقافية فوق ذوبان الجليد السياسي العام هذا: فقد تم منح الجائزة الرئيسية جائزة الشيخ زايد للكتاب - التي تبلغ قيمتها أكثر من مئتين وخمسة وعشرين ألف يورو وتُقدَّم سنويًا في معرض الكتاب في أبو ظبي - للفيلسوف الألماني يورغِن هابرماس البالغ من العمر واحدًا وتسعين عامًا، والذي يعتبر عميد الفلسفة الألمانية المعاصرة وآخر أكبر ممثِّلي "النظرية النقدية" في تقليد الفيلسوفين وعالمي الاجتماع الألمانيين ماكس هوركهايمر وتيودور أدورنو.
قد يعتقد المرء أنَّ الثورات العربية الفاشلة في عام 2011 بات يتم إحياؤها من جديد -بعد عشر سنوات- كعملية إصلاح حذرة من قِبَل القوى نفسها، التي بذلت قصارى جهدها قبل عشرة أعوام من أجل إخماد الثورة.
وهنا يمكن أن يكون قدوتهم في ذلك رئيسُ وزراء مملكة بروسيا الألمانية بسمارك، الذي قمع الاشتراكية الديمقراطية لكي يُنفِّذ بنفسه بعد ذلك أجزاءً مهمةً من برنامجها. وبطريقة أو بأخرى فإنَّ الاحتجاجات في "الميادين" -الساحات العامة من كِييف وحتى القاهرة- حدَّدت بالنسبة لكثيرين من المراقبين "التغيير الهيكلي في المجال العام"، الذي كتب عنه هابرماس - وبات يحدث أخيرًا خارج المراكز الغربية أيضًا.
نجم الفلسفة لدى الثوَّار
يورغِن هابرماس ليس شخصًا غير معروف في العالم العربي - وبالمناسبة في إيران أيضًا. إذ إنَّ الكثير من كتبه مترجمة إلى العربية، كما أنَّ المثقَّفين العرب الثوريين الشباب كانوا يتزاحمون من أجل الحصول على مواعيد لإجراء مقابلات معه، واسمه وكذلك أفكاره الأساسية معروفة لجميع المتعلمين: مثل فكرة العمل التواصلي بدل سياسة القوة الغاشمة؛ أو إضفاء طابع الشرعية على المؤسَّسات والإجراءات من خلال الخطاب العقلاني.
وهابرماس يدافع عن قيم وأفكار تنوير متجدِّد بشكل نقدي، صحيح أنَّها أصبحت مهدَّدة بشكل متزايد في عصر الإنترنت والاستقطاب الإعلامي، وخاصة هنا في الغرب؛ ولكنها حافظت على بريقها في العالم العربي حتى يومنا هذا، ويُرَوَّجُ لها حتى من قِبَل الحكَّام السلطوين المستبدِّين في الحكم: سواء كان ذلك من أجل التصدِّي للإسلام السياسي ومطالباته الدينية بالسلطة، أو من أجل إيجاد قاسم مشترك ولغة مشتركة مع الثقافة السياسية في أوروبا والولايات المتَّحدة الأمريكية.
تعاون مفيد
ومثل هذه القواسم المشتركة موجودة من الناحية الاقتصادية على أية حال: فمعرض فرانكفورت للكتاب يتعاون منذ عدة أعوام مع المعرض في أبو ظبي. ومدير معرض فرانكفورت للكتاب، يورغِن بوس، عضوٌ في "اللجنة العلمية" لجائزة الشيخ زايد للكتاب.
كما أنَّ مؤسَّسة ليتبروم المرتبطة بالمعرض، والتي تدعم الآداب من خارج أوروبا بما فيها الكثير من الكتب العربية، تتلقى تمويلًا من أبو ظبي. ومثل هذا التمويل ليس عارًا. تقوم ألمانيا وفرنسا وإسرائيل بتمويل نشر آدابها في الخارج. ولا يغيب عن هذا التمويل مطلقًا دعمُ الكتب النقدية التقدُّمية. ذهبت جائزة الشيخ زايد لفئة الآداب هذا العام للمصرية إيمان مرسال، وهي شاعرة وأكاديمية قصائدُها النسوية لا ترحم وذات سمعة سيِّئة.

جوائز للألمان أيضًا
وعلاوة على ذلك فإنَّ يورغِن هابرماس ليس أوَّل ألماني يحصل على واحدة من جوائز الشيخ زايد العديدة: ففي عام 2018، كان الألماني داغ نيكولاوس هاسه، أستاذ تاريخ الفلسفة في جامعة فورتسبورغ الألمانية، من المحظوظين في حصوله على جائزة في فئة "الثقافة العربية في اللغات الأخرى" عن كتابه حول تلقِّي الفلسفة العربية في عصر النهضة. وأنا نفسي كان اسمي مدرجًا في عام 2020 على القائمة القصيرة بكتابي حول تاريخ الأدب "ألف كتاب وكتاب - آداب الشرق".
وكذلك حصل مترجم اللغة العربية الألماني هارتموت فندريش والكثيرون غيره من الأوروبيين والأمريكيين على جوائز قيمتها عالية من مؤسَّسة جائزة الشيخ زايد الدولية من دون أن ينزعج أي شخص من ذلك. فلماذا الآن بالذات؟
استحواذ ثقافي؟
السبب هو أنَّ هابرماس يُعْتَبر شخصيةً ترمز للوعي الغربي، وأنَّه يُجسِّد -وعن حقّ- الفلسفة الألمانية النقدية. وعندما يعتمد العرب من جانبهم على هابرماس من خلال حصوله على الجائزة، فعندئذ سيُعْتَبر ذلك من قِبَل الكثيرين هنا في ألمانيا بمثابة استحواذ ثقافي غير مشروع. بمعنى أنَّ العالم العربي يريد الاستحواذ على فكر التنوير والنظرية النقدية. فهل يستطيع أصلًا فعل ذلك وهل لديه الحقّ في ذلك؟
الأسئلة المطروحة هنا تتعلق بالهيمنة الثقافية: مَنْ الذي يجوز له الحديث باسم مَنْ؟ والسبب المزعوم هو أنَّ هابرماس يتم استغلاله فقط من أجل دعاية سياسية.