عازفة ترومبيت بريطانية بحرينية أدهشت بتراثها العربي مستمعي الجاز الغربي

ياز أحمد عازفة ترومبيت بريطانية من أصل بحريني أثارت اهتمام مشهد موسيقى الجاز اللندني. فهي تجمع في ألبوماتها الموسيقية المعقدة تقاليد بلدها الأصلي البحرين مع ارتجالات موسيقى الجاز الغربي. وفي أحد ألبوماتها تكرم نساء متميزات، بعضهن من الثقافة الإسلامية. شتيفان فرانتسن يعرف موقع قنطرة بأبرز أعمالها الموسيقية.

الكاتبة ، الكاتب: Stefan Franzen

تقول ياز أحمد: "عندما كنت طفلة، لم أكن أدرك أنَّ عدد الفتيات اللواتي يعزفن على الترومبيت قليل إلى هذا الحد". لقد تعرَّفتْ على هذه الآلة الموسيقة عن طريق جدها، عازف الجاز، تيري براون: "كان من الصعب العثور على أية نماذج يُحتذى بها. ولكن اليوم بات يوجد الكثير من العازفات الزميلات ولم تعد توجد أحكام مسبقة، كما أنَّ الموسيقيين الذكور  اعتادوا على ذلك. ولم يعد يبدو غريبًا أن أصبح ’الفتاة عازفة الترومبيت‘".

ومع ذلك فإنَّ هناك أشياء عديدة غير معتادة ومثيرة للدهشة في هذه السيدة: لقد نشأت ياز أحمد في دولة البحرين الخليجية، ثم انتقلت وهي في التاسعة من عمرها إلى بريطانيا، حيث بدأت تعليمها الموسيقي. أثرى ألبومُها الأوَّل منذ ظهوره في عام 2011 موسيقى الجاز في لندن بوجه مثير، لأنَّ ياز أحمد تتجاوز حدود هذا النوع من الموسيقى.

لقد أثبتت نفسها كفنانة ضيفة مع روَّاد الـ"وُرْلْدبِيت" -فرقة ترانسغلوبال أندرغراوند- مع نجوم موسيقى الروك الهندية فرقة "راديوهيد" ومشروع فرقة "جون آز بوليس وُومن"، وأدهشت المستمعين الكلاسيكيين من خلال تنسيقها للمجموعة الأوركسترية "الكواكب" للموسيقي غوستاف هولست.

"غناء يشبه تعويذة"

في مشاريع فرقتها الخاصة تستند إلى تراث أسلافها العرب: "لا يعرف الناس الكثير حول ثقافة البحرين في أوروبا"، مثلما تقول: "لقد كان ينتشر هناك تقليد صيد اللؤلؤ، وعندما كان الغوَّاصون يبتعدون عن ديارهم، كانوا يغنون في عرض الخليج أغانيَ عن حنينهم إلى الوطن. وكانت هذه أيضًا وسيلة من أجل تشجيع بعضهم بعضًا أثناء العمل. أغانٍ حول إمكانية عودتهم إلى الوطن أثرياء أو صِفْر اليدين. توجد بالإضافة إلى ذلك أغانٍ تقليدية تغنيها مجموعات نساء يقرعن الطبول في الأعراس والاحتفالات الأخرى. وهذه الموسيقى ذات قرع صاخب جدًا وإيقاعية مع غناء يشبه التعويذة".

 

 

لقد تعرَّفت ياز أحمد على هذه الموسيقى أثناء زياراتها إلى بلدها الأصلي ودمجت جذورها في مؤلفاتها المعقَّدة، التي كثيرًا ما يوجد فيها طابع مجموعات موسيقية متشابكة. وبالإضافة إلى عزفها على الترومبيت فهي تعزف وبشكل رائع على آلة بوق نحادسي (فلوغل هورن) ناعم وغنائي، وهنا أدخلت ابتكارات جديدة: ففي حين أنَّ الترومبيت رباعي النغمات تم اختراعه في ستينيات القرن العشرين من قبل الجزائري مسعود بلمو وتابع هذا التقليد اللبناني إبراهيم معلوف، فقد تكون ياز أحمد هي أيضًا أوَّل مَنْ نقل هذه التقنية إلى آلتها الموسيقية ذات الصلة، للتمكُّن من إنتاج الفواصل الموسيقية العربية النموذجية.

"حاولتُ لفترة طويلة مع صانع الآلات الموسيقية الخاص بي ولم نفلح، كما أنَّ بوق الفلوغل هورن الأوَّل لم ينجح أيضًا. وبعد ذلك قام بتحسينه وإتقانه، وفي آخر المطاف نجح بذلك. أنا لا أعزف كثيرًا على الفلوغل هورن رباعي النغمات، ولكن عندما أفعل ذلك يسرُّني إبداع هذه النوتات، التي لا يمكن إخراجها على آلة غربية".

أناشيد لشخصيات نسائية بارزة

واليوم تنظر ياز أحمد إلى نفسها كطفل نموذجي في مشهد الجاز في لندن - وتقييمها الخاص: "منفتحة ومُتَقَبِّلة ومُتحمّسة للتجارب". وفي عملها الحالي "بوليهيمنيا" ينصرف التركيز قليلًا عن الصوت المُنغَّم عربيًا. وحول ذلك تقول: "منحتُ هذا العمل اسم آلهة يونانية، اسمها يعني ’أناشيد كثيرة‘، والمقطوعات هي في الواقع أيضًا أناشيد مدح وترانيم لمدح شخصيات نسائية بارزة".

لقد أهدت مؤلفاتها الموسيقية الستة للمخرجة السعودية هيفاء المنصور ("فيلم وجدة") وللناشطة الباكستانية المدافعة عن حقوق المرأة - التي تم تشويهها من قبل حركة طالبان، ملالا يوسفزي، وكذلك لناشطتي الحقوق المدنية، روبي بريدجز وروزا باركس، ولعازفة الساكسفون والمدافعة عن حقوق المرأة باربرا طومسون. تقول ياز أحمد: "جميعهن بالنسبة لي نساء شديدات البأس ويلهمن الناس. من التحدي فعلًا أن ندخل إلى العديد من الشخصيات المختلفة، أن نحاول التعرُّف على ما اضطرت بعض هؤلاء النساء إلى خوضه".

اختارت ياز أحمد فرقة كبيرة مؤلفة أيضًا من العديد من النساء في مشهد الموسيقى اللندني، كما أنَّها تنتج معهن مسرحية أنثوية شجاعة. ومن بين أعضاء هذه العائلة الموسيقية الكبيرة شابات مشهورات مثل عازفة الساكسفون نوبيا غارسيا وزميلتها عازفة الترومبيت شيلا موريس-غراي من كوكوروكو.

 

 

أمَّا ياز أحمد نفسها فهي تلمع بشكل رئيسي على بوق الفلوغل هورن في الفقرات الفردية. "إنَّها حقًا فرقة كبيرة"، مثلما تعترف، وتضيف: "وأعتقد أن هذه الحقيقة تنعكس في أجواء ترتيلية دائمًا. الألبوم يبدو ’مكتنزًا‘ (شانكي chunky)". ولو وصفناه بالكلمة الألمانية "فيتّ fett" (سمين) فسيبدو بنصف هذا الجمال فقط.

تنوُّع موسيقي

وعملها متنوُّع جدًا من الناحية الموسيقية. تبدأ ياز أحمد المقطوعة المهداة إلى روبي بريدجز، التي كانت في عام 1960 أوَّل فتاة أمريكية سوداء البشرة تلتحق بمدرسة كانت مخصَّصة في السابق فقط لذوي البشرة البيضاء في نيو أورليانز في الولايات المتَّحدة الأمريكية، بإيقاع فانك تتم مواجهته بعد ذلك بنغمات أوركسترا شديدة وغير متوافقة - وهذا انعكاس موسيقي للاعتداءات العنصرية التي كانت تتعرَّض لها روبي بريدجز في طريقها إلى المدرسة.

وفي مقطوعة "فتاة واحدة بين كثيرين"، تستخدم أيضًا الصوت البشري من أجل صياغة خُطَب ملالا يوسفزي المثيرة للإعجاب في نغمات. وفي مقطوعة "أفعال ليس كلمات" المخصَّصة لتكريم المدافعة عن حقوق المرأة، تتَّبع مسارات معقّدة عبر المقامات العربية وتناغم موسيقى الجاز، ثم تجد طريقها أخيرًا إلى التحوُّل الاحتفالي "كتف إلى كتف"، وهي الأغنية الرئيسية للحركة النسائية في ذلك الزمن.

وحتى أنَّها لجأت في تكريمها لروزا باركس إلى استخدام صفّ من اثنتي عشرة نغمة، لم تتمرَّن عليه فرقتها الكبيرة باعتباره وسيلة مجرَّدة للتحايل، بل تملؤه بمحتوًى عاطفي. وتستخدم في "لحن المنصور" أنغام شبه الجزيرة العربية من أجل تصوير شخصية المخرجة الشجاعة هيفاء المنصور.

 

 

"لا يوجد في منطقة الخليج عدد كبير من النساء اللواتي ينجحن على مستوًى عالمي ويعبِّرن عن آرائهن علنًا"، مثلما تقول ياز أحمد في تقييمها للمخرجة هيفاء المنصور: "أنا لا أعرف أيضًا أية موسيقيات أخريات من البحرين، وآمل في أن أتمكَّن من إلهام الشباب البحريني لإيجاد طريقهم في الموسيقى أيضًا". يُستدل من ذلك على أنَّ ألبوم ياز أحمد التالي سيركِّز حصريًا على تقاليد وطنها العربي.

 

شتيفان فرانتسن 

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2019

ar.Qantara.de