
حكم رئيس الوزراء الهندي بمباركة شركات التجارة العملاقةناريندرا مودي - سلطة ومال على حساب الأقليات في الهند
بدأت سيرة ناريندرا مودي السياسية بمجزرة. فبعيد توليه منصب رئيس وزراء ولاية كجرات، حصلت عام 2002 إحدى أكبر المذابح المدبرة التي شهدتها الألفية الثانية في شبه القارة الهندية: أحياء أحرقت ونساء اغتصبت وتهجير جماعي وأكثر من ألف قتيل، معظمهم مسلمون. انتقدت آنذاك منظمات حقوق إنسان عديدة مودي بأنه منح الحشود الهندوسية القومية، والتي تتألف من أعضاء "منظمة التطوع القومية" (RSS) ومجلس الهندوس العالمي (VHP)، وحتى بعض أرفع سياسيي حزب الشعب الهندي (بهاراتيا جاناتا)، عدة أيام لارتكاب هذه المذابح.
بعد ذلك بعام واحد، وتقريباً في الذكرى الأولى لهذه المذابح، دعا مودي لأول مرة إلى قمة "كجرات النابضة بالحياة" الاقتصادية العالمية. حضر هذه القمة رؤساء شركات هندية وأجنبية، من بينها "شل" و"جنرال موتورز". ومنذ ذلك الوقت، تنعقد هذه القمة كل عامين.
في كل واحدة من هذه القمم، يقال إن عشرة آلاف صفقة يتم إبرامها وعشرات المستثمرين يتم استقطابهم إلى كجرات، التي يقع فيها العديد من المناطق الاقتصادية الخاصة، مثل تلك الخاصة بشركات "هيونداي" و"فورد" و"بيجو" من قطاع السيارات، وشركات "بي إيه إس إف" و"باير" و"لانكسس" الألمانية للكيماويات، ومنافسها الأمريكي "دوبونت"، وشركة بناء الآلات "بوش"، وشركة صناعة الطائرات والقطارات "بومباردييه".
جنة المستثمرين الجديدة
من خلال قمة "كجرات النابضة بالحياة"، نجح مودي في خلق صورة جديدة له ولولاية كجرات: صورة جنة المستثمرين ذات النمو الذي يتعدى العشرة في المائة. لا يوجد مكان آخر في الهند لم يشهد مصادرة لأملاك صغار المزارعين لصالح إقامة مناطق اقتصادية خاصة مثل كجرات، ولا مكان وئدت فيه الإضرابات في مهدها مثلها.
حتى أقطاب الأعمال مثل راتان تاتا، الذي بنى أحد أكبر التكتلات الاقتصادية ويعتبر منذ فترة طويلة مثال التحرر الاقتصادي لرأس المال الهندي، بات يراهن اليوم على القوميين الهندوس. فقد استقطبه ناريندرا مودي إلى جانبه في عام 2009، بإغداقه الامتيازات على شركة "تاتا" العملاقة، ما حدا بالأخيرة إلى نقل خطوط إنتاج سيارتها "نانو" الأرخص في العالم إلى ولاية كجرات. آنذاك قال راتان تاتا: "أي صاحب شركة سيكون غبياً إذا لم يغير وجهته إلى كجرات". راتان تاتا بقي رئيس مجلس إدارة الشركة الحاملة لاسمه حتى نهاية عام 2012.

وبينما سارت وتيرة الإصلاحات الاقتصادية لحكومة المؤتمر الوطني الهندي السابقة، والتي كانت تتمثل في خصخصة الأملاك العامة والشركات الحكومية ومنح المستثمرين الأجانب حق شراء أغلبية من حصص الشركات وإصلاح قوانين العمل، ببطء كبير من وجهة نظرة المستثمرين، تلقى "نموذج كجرات" المديح: ففي نهاية عام 2013، قبل عدة أشهر فقط من الانتخابات البرلمانية التي انتصر فيها مودي وأصبح رئيس وزراء الهند، نشر البنك الأمريكي "غودلدمان ساكس" تنبأ حول تطور الاقتصاد في الهند.
عنوان تقرير البنك كان دعاية انتخابية مبطنة بعض الشيء لمودي. بحسب التقرير، فإن مودي "عامل للتغيير سيحول الهند من لاعب صغير إلى أحد الأوزان الثقيلة في السوق العالمية". كما أن حكومة بقيادة حزب الشعب الهندي "ستؤدي إلى طلب أعلى على الاستثمارات"، بحسب التقرير.
في حقيقة الأمر، كان العالم الخارجي يعتبر صعود مودي لفترة طويلة أمراً غير ممكن. فالولايات المتحدة وبعض دول أوروبا كانت قد منعته من الحصول على تأشيرة دخول لها واعتبرته شخصاً غير مرغوب به بسبب دوره في مذابح عام 2002. لكن في عام 2012، برأته لجنة خاصة أنشأتها أعلى هيئة قضائية في الهند من كل ذنب في تلك المذابح. هذا الحكم رأى منتقدوه أنه جاء بعد "التكتم على جزء كبير من الأدلة الموثقة من قبل لجنة التحقيق الخاصة"، بحسب ما كتبت آنذاك صحيفة "تايمز أوف إنديا".
"عامل التغيير" المعاد تأهيله
بعد أن أعلن رسمياً في سبتمبر / أيلول عام 2013 المرشح الرئيسي لحزب الشعب الهندي، لم تنقطع عن مودي زيارات الوفود السياسية والاقتصادية من أنحاء العالم.
حتى رئيس غرفة التجارة الألمانية الهندية، بيرنهارد شتاينروكه، بات مقتنعاً ببراءة مودي. فالهند "دولة ديمقراطية ودولة قانون". لهذا فإن القرارات التي تصدرها محاكمها يمكن الاهتداء بها، بحسب ممثل أكبر غرف التجارة الألمانية الخارجية، والتي تضم في عضويتها أكثر من ألف شركة.
على مرمى حجر من مكتب شتاينروكه في برج ميكر "ميكر تاور"، وهو إحدى ناطحات السحاب التي تشكل المنظر المهيب لمدينة ممباي، يقع أكبر منزل سكني في العالم، والذي يتألف من 27 طابقاً ويضم 600 خادم وثلاثة مهابط للمروحيات. في ذلك المنزل يعيش أحد أهم داعمي مودي وثقاته: موكيش أمباني، وعائلته. أمباني من أصحاب المليارات وهو يقف وراء "ريلاينس المساهمة المحدودة"، أكبر التكتلات الاقتصادية في الهند.