هل تحوِّل روسيا ليبيا إلى سوريا جديدة؟

تمتنع روسيا عن الانحياز علناً لأي طرف في الصراع الليبي، وتكتفي بعرض فكرة المصالحة بين المتناحرين. لكن هل وقع اختيار روسيا على معسكر الجنرال حفتر وباتت تراهن عليه؟ إميلي شيرفن تستوضح ذلك.

الكاتبة ، الكاتب: Emily Sherwin

خلال السنوات الأخيرة، سعت روسيا للظهور كوسيط محايد في الصراع الليبي، ولا تزال تصر على هذا الموقف، فقد صرح وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف خلال زيارته لمصر أن "مهمة روسيا هي مساعدة الليبيين على التغلب على خلافاتهم الحالية، والتوصل إلى اتفاق مستقر للمصالحة بين الجانبين"، على خلفية الهجوم الذي شنته قوات حفتر وأدى إلى سقوط عشرات القتلى في العاصمة طرابلس.

موسكو كررت دعوتها مجددا على لسان المتحدث باسم الكريملين، ديمتري بيسكوف، إلى استغلال كل الفرص المتاحة لدعوة الأطراف المتناحرة إلى تجنب إراقة مزيد من  الدماء.

فياتشيسلاف ماتوزوف، الخبير في شؤون الشرق الأوسط، وصف موقف روسيا من الصراع الجاري في ليبيا  بأنه "موقف دبلوماسي دقيق للغاية ".

حلفاء روسيا مثل تركيا والجزائر، يدعمون حكومة طرابلس المعترف بها دوليا بقيادة فايز السراج والمدعومة أيضا من الأمم المتحدة، بينما تدعم دول كمصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة الجنرال حفتر.

بعيدا عن الصراع الليبي، فمصر والجزائر من كبار المشترين للأسلحة الروسية، وتركيا تعد حليفا مهما لروسيا على الصعيد الدولي، سواء في الصراع الدائرفي  سوريا أو في ظل الخلافات المتزايدة بين الناتو وتركيا، علاوة على أن روسيا ما زالت تحافظ على علاقتها بالمملكة العربية السعودية بغية الحفاظ على مصالحها النفطية.

ويعزو ماتوزوف سبب تورط روسيا في هذا التخبط الدبلوماسي، إلى تخوف موسكو من أن الفوضى في ليبيا قد تسمح بعودة "الدولة الإسلامية" المعروفة إعلاميا باسم "داعش"، والتي تشكل مصدر قلق أمني خطير.

 

أحد أفراد "الجيش الوطني الليبي" بقيادة خليفة حفتر أثناء توجهه من بنغازي لتعزيز القوات التي تتقدم إلى طرابلس، 7 أبريل / نيسان 2019. (photo: Reuters/E.O. Al-Fetori)
مؤشر واضح على دعم روسيا الضمني لحفتر: في السابع من نيسان / أبريل 2019، منعت روسيا مجلس الأمن الدولي من إصدار بيان كان سيحث قوات خليفة حفتر على وقف تقدمها في طرابلس، مصرة على أن البيان يجب أن يحث جميع القوات في البلاد على وقف القتال. ويرى مراقبون ومنهم هذه الخطوة مؤشرا واضحا على دعم روسيا الضمني لحفتر.

 

{يعتقد  الخبير العسكري فيلغنهاور أن المرتزقة الروس ربما يكونون على أرض ليبيا وفي مجالها الجوي أيضا. ونظراً لأنهم غير مرتبطين رسمياً بالحكومة، فهذا يساعد موسكو على"إنكار انحيازها لخليفة حفتر"، على حد وصفه.}

 

حفتر في الحضن الروسي

محللون عسكريون يرون أن ليبيا تشكل "لغزا" دبلوماسيا بالنسبة لموسكو، وبهذا السياق يقول المحلل العسكري الروسي المستقل بافل فيلغِنهاوَر إن "روسيا لن تعلن انحيازها لأي طرف على الملأ".

وفي الوقت الذي يصر فيه ماتوزوف على أن روسيا محايدة كما أعلن الكريملين، يخالفه فيلغنهاور الرأي ويؤكد أن موسكو "تدعم حفتر" من وراء الكواليس.

حفتر والسراج زارا روسيا، لكن يبدو أن حفتر يحظى بنصيب الأسد من اهتمام الكريملين، فقد زار موسكو ثلاث مرات منذ عام 2016، وأبحر على متن حاملة الطائرات الروسية الأدميرال كوزنتسوف عام 2017، وذلك لحضور مؤتمر جمعه بوزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو.

و يعتقد فيلغنهاور أن موسكو تنحاز لحفتر جريا وراء المال والنفط، فرجل الحرب القوي هو الذي يسيطر على جميع المناطق المنتجة للنفط في ليبيا تقريبًا، و"هذا يعني أنه يملك المال - مما يعني أنه مهم بالنسبة لموسكو".

 

 

ورغم حظر استيراد السلاح الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا، فإن موسكو وفقا لفلغنهاور تبيع الأسلحة لحفتر، وتفيد التقديرات بحسب فيلغنهاور إلى أن سقوط معمر القذافي عام 2011 عرّض موسكو لخسارة مليارات الدولارات في صفقات السلاح.

في السابع من نيسان / أبريل 2019، منعت روسيا مجلس الأمن الدولي من إصدار بيان كان سيحث قوات خليفة حفتر على وقف تقدمها في طرابلس، مصرة على أن البيان يجب أن يحث جميع القوات في البلاد على وقف القتال. ويرى مراقبون ومنهم  فلغنهاور هذه الخطوة مؤشرا واضحا على دعم روسيا الضمني لحفتر.

دلالات غامضة

تقارير وسائل إعلام روسية، أظهرت جانبا آخر من انحياز روسيا لحفتر في الخفاء. فقد ذكرت صحيفة آر بي سي اليومية على لسان مصدر من وزارة الدفاع الروسية أن هناك قوات روسية متواجدة شرق ليبيا، وفي ذات السياق فقد نشرت صحيفة نوفايا غازيتا شريط فيديو يظهر يفغيني بريغوزين (الصديق المقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين) يجري مباحثات مع الجنرال حفتر في موسكو.

 

أفراد من قوات مصراتة، تحت حماية قوات طرابلس، يستعد  للذهاب إلى خط المواجهة في طرابلس، في 8 أبريل 2019.  (photo: Reuters/H. Amara)
في الصورة أفراد من قوات مصراتة، تحت حماية قوات طرابلس، يستعدون للذهاب إلى خط المواجهة ضد قوات حفتر في طرابلس، في 8 أبريل / نيسان 2019: تقارير وسائل إعلام روسية، أظهرت جانبا آخر من انحياز روسيا لحفتر في الخفاء. فقد ذكرت صحيفة آر بي سي اليومية على لسان مصدر من وزارة الدفاع الروسية أن هناك قوات روسية متواجدة شرق ليبيا، وفي ذات السياق فقد نشرت صحيفة نوفايا غازيتا شريط فيديو يظهر يفغيني بريغوزين الصديق المقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين) يجري مباحثات مع الجنرال حفتر في موسكو .

 

{"ليبيا تشبه الرمال المتحركة، كل من يدخلها فسيغرق فيها". – محلل روسي.}

 

بريغوزين شخصية غامضة يترأس على ما يبدو شركة عسكرية روسية خاصة تدعى "وانغَر غْروب" ويقال إنها مارست نشاطها في عدة صراعات حول العالم، بما في ذلك شرق أوكرانيا وسوريا وفنزويلا وجمهورية أفريقيا الوسطى.

يعتقد الدبلوماسي الروسي السابق ماتوزوف، أن وجود مقاتلين روس مرتزقة في ليبيا أمر مستحيل، ووصف هذه الادعاءات بأنها "معلومات مضللة"، موضحًا أن المقاتلين في الصراع غالباً ما ينتقلون بين الجماعات "اعتمادًا على كيفية تطور الوضع على الأرض".

لكن الخبير العسكري فيلغنهاور يخالف ماتوزوف الرأي، و يعتقد أن المرتزقة الروس ربما يكونون على أرض ليبيا وفي مجالها الجوي أيضا. ولأنهم غير مرتبطين رسمياً بالحكومة، فهذا يساعد موسكو على"إنكار انحيازها لخليفة حفتر" على حد وصفه.

 

 

العمق الاستراتيجي

التصريحات الروسية التي تحدثت عن خطط لسحب القوات من سوريا، زادت من الشائعات حول بدء عملية عسكرية روسية محتملة في ليبيا، ومن غير المحتمل أن تشن روسيا تدخلا واسع النطاق في ليبيا كما فعلت في سوريا لأنها مازالت متورطة في الصراع هناك كما يقول فيلغنهاور، مبيناً أن قدرات روسيا انهكت ولم تعد بحجم" الاتحاد السوفييتي" سابقا.

فيما يرى ماتوزوف أن ليبيا لن تكون سوريا الجديدة بالنسبة لروسيا، ويقول إن وجود قاعدتين عسكريتين أنشأتهما روسيا في سوريا سيكون كافيا بالنسبة لتغطية مصالحها في الشرق الأوسط وإنها ليست بحاجة لموطئ قدم آخر، مضيفاً: "ليبيا تشبه الرمال المتحركة، كل من يدخلها فسيغرق فيها".

 

 

إميلي شيرفن

ترجمة: ح.ش

حقوق النشر: دويتشه فيله 2019

 

 

ar.Qantara.de