كورونا والصين: من يهدد الديمقراطية؟
المقارنة بين الإجراءات الصينية في مواجهة وكورونا، وبين مثيلتها في الغرب، حاضرة دائما، ولو ضمنا، في أي حديث عن الوباء وخطط مواجهته. لا يتعلق الأمر فقط بنجاح الصين في حصار الوباء (على الأقل بحسب البيانات الرسمية)، أو بإشارة الرئيس الأمريكي الدائمة له ب"الفيروس الصيني". الأمر يعود إلى ما هو أبعد من هذا. فالحكومات الغربية القلقة من صعود الصين، كما ترى فيها منافسا اقتصاديا وخطرا عسكريا متزايدا، فإن الكثيرين ينظرون معها لنظام حكم الحزب الواحد هناك كتهديد لمنطق الحكم الديمقراطي، في الغرب كما في كل مكان آخر.
لا تعدم "المعجزة الصينية" معجبين مخلصين في المنطقة العربية وفي غيرها، فانتزاع مئات الملايين من البشر من الفقر المدقع في ظرف عقود، والنمو الاقتصادي والتكنولوجي المذهل في نفس الفترة القصيرة، مقترنا بصعود إلى موقع الند أمام القوى الاستعمارية القديمة، جعلت الصين نموذجا ملهما، يعد بإمكانية لحاق بقية شعوب الجنوب بها، وتعويض الفارق المهول بينهم وبين أسيادهم السابقين في الشمال.
ويأتي الانبهار بالتجربة الصينية مقترنا بالثناء على فاعلية نظام الحزب الواحد والحكم السلطوي والشمولي. لكن، وفي الوقت ذاته، وبالنسبة لقطاعات فاعلة من سكان المنطقة ممن يعانون من أنظمة الحكم الديكتاتورية تمثل الصين نموذجاً مرعباً، لا بسبب سلطويتها فقط، بل بالأحرى بسبب نجاح تلك السلطوية.
وفضلا عن ذلك فإن أنظمة المنطقة العربية القمعية طالما وجدت في النجاح الصيني أداة أيدلوجية فعالة للترويج لسياستها الباطشة بوصفها سبيل مجرب للتقدم، وبالأخص في مواجهة "المؤامرات الغربية". وأيضا، من الرائج تصوير المشروعات الصينية في دول الجنوب، وقروضها، بالأخص في أفريقيا، كتمهيد للاستيلاء على موارد الدول المدينة واستعماراها بشكل مباشر أو غير مباشر (وفي الحقيقة لا يوجد ما يثبت فرقا كبيرا بين القروض الصينية وبين مثيلتها الغربية في علاقة الاستدانة والهيمنة).

اهتزاز صورة الصين بعد انتشار فيروس كورونا وانتشار صور نمطية عن ثقافة الشعوب "الصفراء"
كان من شأن التفشي المفاجئ لفيروس كورونا، وما تبعه من إجراءات، أن يجعل من الجائحة محوراً لتكثيف ذلك الجدل، والصدام بين رؤيتين مختلفتين للعالم. من البداية لحق بصورة الصين ضررا عميقا، وكثيرا من التشوية غير المنصف في معظمه. فظهور الفيروس في مقاطعة ووهان كان كافيا لتعزيز صور تحقيرية، بشأن العادات "القذرة" للصينين ومطبخهم الغرائبي والمقزز، فالوباء انتقل من الحيوانات إلي البشر، بسبب إقبال الصينيين على أكل الخفافيش.
تبدو تلك الرواية منتشرة ومصدقة على نطاق واسع، وبشكل يدعو للأسف. وكانت وسائل الإعلام الغربية ركزت على فرضية أن ظهور المرض مرتبط باختلاط "استثنائي" بين البشر والحيوانات في الأسواق الصينية.
وفي ذلك السياق، يجدر الإشارة إلى أن معظم ما يعرفه الناطقين بالعربية عن الصين يأتي عبر مصادر غربية. لكن التنميطات المتعلقة بالصين، لا تقتصر فقط على الخيالات الاستشراقية عن ثقافة الشعوب "الصفراء"، بل تمتد إلى تنميط آخر يتعلق بالاستبداد. ولا ترتبط تلك الصورة بحكم الحزب الشيوعي فقط، بل تعود تاريخيا إلى "ثورة البوكسر" وما قبلها، فالمجتمع الصيني في المخيلة الغربية، مثله مثل بقية المجتمع الشرقية، يتميز بميل طبيعي للجمود والاستبداد، بحسب ثنائية رائجة، تنقسم فيها المجتمعات إلى فردية (غربية بالضرورة)، ومجتمعات جماعية تنتفي فيها المبادرة الشخصية والإبداع والحريات.