من يخاف من تفعيل دور المرأة؟
ليبيا: اغتيال الأمل في مستقبل أفضل

بعد اغتيال الناشطات حنان البرعصي وسلوى بوقعيقيص وفي ظل الفوضى وغياب سيادة القانون في ليبيا اضطرت سيدات ليبيات واجهن سلطة وفساد الميلشيات إلى الخشية على حياتهن. الصحفية الألمانية أندريا باكهاوس توضح أهمية النساء الكبرى في استقرار هذا البلد الذي أنهكته الحرب.

القتل كان من الممكن أن يكون مصيرها، كما تقول رضا الطبولي عن نفسها، مضيفةً أنها محظوظة لأنها لا تزال على قيد الحياة ولم تُقتل مثلما حدث لحنان البرعصي.

وقعت جريمة اغتيال حنان البرعصي [في 10 / 11 / 2020] ليتصاعد بعدها غضب الكثيرين في ليبيا استنكارًا لهذه الجريمة، ومن بينهم الناشطة الحقوقية رضا الطبولي التي تكافح من العاصمة طرابلس لضمان حياة آمنة للمواطنات الليبيات. وقالت الطبولي في اتصال هاتفي معها: "يُعرّض حياته للخطر كل شخص يحاول استجواب أصحاب السلطة في ليبيا، لاسيما إن كان امرأة".

في العاشر من تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 جرى اغتيال الناشطة الحقوقية الليبية حنان البرعصي في مدينة بنغازي في شرق ليبيا. وكانت السيدة البالغة من العمر 46 عامًا قد خرجت للتسوق بعد ظهر ذلك اليوم، وأوقفت سيارتها أمام إحدى المتاجر، ليقترب رجال ملثمون من باب سائقها ويطلقوا الرصاص على رأسها. وقد وصفت منظمة هيومن رايتس ووتش هذه الجريمة بأنها إعدام بدم بارد.

وتعلّق رضا الطبولي على ذلك قائلةً: "لقد كانت حنان البرعصي امرأة شجاعة. لقد تناولت أكثر الأمور حساسية". وكانت البرعصي قد شهّرت بالميليشيات الحاكمة في ليبيا لإساءتها استخدام السلطة، كما اتهمت بعض الجماعات المسلحة بارتكاب اعتداءات جنسية، وانتقدت تعسف كل من أمراء الحرب وأتباع الجنرال خليفة حفتر وجيشه الوطني الليبي الذي يسيطر على شرق البلاد.

وقد تلقت البرعصي بالمقابل تهديدات بالقتل. ففي يوم اغتيالها، أعلنت البرعصي في مقطع فيديو لها بصورة غامضة أنها ستكشف قريبًا تفاصيل حول الشبكات الفاسدة لإحدى الجماعات المسلحة. وكانت قد ذكرت سابقًا أن أفرادًا من عائلة حفتر متورطون في صفقات فساد.

هذا هو الحال في ليبيا، كما تقول رضا الطبولي، وتضيف أن ترقية بعض الرجال إلى المناصب المهمة تتم بعد أن يَعِدوا أتباعهم بتحقيق امتيازات لهم. في حين تناشد النساء في المقابل بتحقيق بعض المطالب، مثل إرساء حقوق الإنسان وسيادة القانون، "وهذا ما يفسر التهديد الذي يتعرضن له". وينطبق هذا الوضع على سائر مناطق ليبيا.

 

الناشطة الحقوقية الليبية حنان البرعصي تم اغتيالها في مدينة بنغازي في شرق ليبيا.
إعدام بدم بارد: في العاشر من تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 جرى اغتيال الناشطة الحقوقية الليبية حنان البرعصي في مدينة بنغازي في شرق ليبيا. وكانت السيدة البالغة من العمر 46 عامًا قد خرجت للتسوق بعد ظهر ذلك اليوم، وأوقفت سيارتها أمام إحدى المتاجر، ليقترب رجال ملثمون من باب سائقها ويطلقوا الرصاص على رأسها. وقد وصفت منظمة هيومن رايتس ووتش هذه الجريمة بأنها إعدام بدم بارد.

 

لبيبا تغرق في الفوضى

وتنقسم ليبيا منذ الإطاحة بالدكتاتور معمر القذافي إلى جزأين. فمن جهة، هناك حكومة مُعترف بها من قبل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي يترأسها رئيس الوزراء فايز مصطفى السراج في العاصمة طرابلس، وتدعمها تركيا وإيطاليا.

وفي المقابل، هناك اللواء خليفة حفتر الذي ينافس على السلطة مدعومًا من قبل روسيا بصورة أساسية ومن فرنسا بصورة جزئية. ناهيك عن وجود العشرات من الميليشيات والقبائل والمرتزقة الأجانب والجماعات الإسلامية التي تقاتل أيضًا من أجل السلطة في ليبيا.

ويمسك متمردو حفتر أجزاء كبيرة من البلاد بقبضة حديدية، وكانت قواته قد تقدمت باتجاه العاصمة طرابلس لمدة عام تقريبًا، قبل أن تضطر للتقهقر في الصيف المنصرم؛ ولم تجلب هذه العملية العسكرية أي سلام للبلاد.

ولطالما تقاطرت تقارير قاتمة عن الأوضاع في ليبيا لسنوات، ومن ذلك ما كُتب عن غرق ليبيا في حالة من الفوضى وغياب القانون، وعن تعرض بعض الفارين من دول إفريقية جنوب ليبيا، على سبيل المثال، للتعذيب وللإساءة وللاستعباد في ليبيا. ومع ذلك، لم تولِ هذه التقارير اهتماماً يُذكر بنضال الليبيات اللواتي يكشفن عن الانتهاكات والمظالم وسوء الإدارة في ليبيا ويردن رؤية بلدهن متقدمًا، وهنّ من يخاطرن بحياتهن لتحقيق ذلك.

تهمة الخيانة وسيلة لتشويه سمعة الناشطات الليبيات

وتدرك رضا الطبولي حجم المخاطرة التي تترتب على ذلك؛ وهي ناشطة في مجال حقوق الإنسان، وتبلغ من العمر 58 عامًا، وتعمل أستاذة في كلية الصيدلة في جامعة طرابلس، وتناضل منذ عقود في سبيل تحقيق المساواة بين المرأة والرجل.

وقد أسّست الطبولي مع ثلاث طالبات منظمة "معًا نبنيها" في العام 2011؛ وتهدف هذه المنظمة إلى إشراك المرأة في المجتمع والسياسة. وتحثّ الطبولي وزميلاتها الحكومة الليبية على تنفيذ القرار رقم 1325 الذي أصدره مجلس الأمن الدولي في العام 2000.

وينص هذا القرار على السماح للنساء في مناطق الحروب بالاضطلاع بدور نشط لضمان السلام وحفظه. وتعلّق الطبولي على هذا القرار قائلةً: "بموجب هذا القرار تم الإقرار لأول مرة بأن النساء هن الطرف الأكثر معاناةً خلال الحروب والصراعات، وأنهنّ ما زلن مُستبعدات بصورة عامة عن عملية السلام". وتفيد الطبولي بأنه ليس من السهل تذكير الحكام بأنهم ملزمون بتنفيذ هذا القرار.

 

كانت المحامية الليبية الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، سلوى بوقعيقيص، من أبرز نشطاء الثورة الليبية.  Foto: Getty images/AFP
الثورة تأكل بناتها: كانت المحامية الليبية الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، سلوى بوقعيقيص، من أبرز نشطاء الثورة الليبية. تم اغتيالها في شهر حزيران/ يونيو 2014 في منزلها من قبل عناصر من إحدى الميليشيات. صورتها أثناء مظاهرة في بنغازي في شهر أيَّار/ مايو 2013.

 

وقد تحدثت الطبولي العام الماضي لمجلس الأمن الدولي في نيويورك حول الوضع الصعب للمرأة الليبية، وانتقدت في خطابها أصحاب النفوذ في شرق البلاد وغربها، وتحدّثت عن أن حقيقة تصفية السياسيات والناشطات ليست إلا جزءاً من الحياة اليومية، سواء أكان ذلك في مناطق حكم قيادات شرق ليبيا أم غربها؛ كما تحدثت عن استبعاد النساء من الحياة الاجتماعية والسياسية.

وقد جرّت عليها كلمتها هذه تهديدات بالقتل في وطنها. إذ عمل تلفزيون "الحدث" الليبي على تشويه سمعتها، ووصفها بأنها جاسوسة وخائنة، حتى أن معارفها قد اتصلوا بها، وسألوها عما إن كانت فعلًا عميلة [لصالح إحدى الجهات].

التهديد بالقتل جزء من الحياة اليومية لكثير من نساء ليبيا

وينتشر العنف ضد المرأة في جميع أنحاء ليبيا، إلا أن النساء يتعرضن للترهيب والعنف بصورة خاصة في شرق ليبيا عندما يتمردن ضد توازنات السلطة هناك.

ففي تموز/ يوليو 2019، اختُطفت سهام سرقيوة من منزلها في بنغازي على أيدي مسلحين يُعتقد أنهم كانوا رجالاً على صلة بجيش حفتر. وقد كانت سهام سرقيوة عضوةً في مجلس النواب في طبرق. وتصنّف بعض منظمات حقوق الإنسان اختطافها على أنه عمل ذو دوافع سياسية. وكانت سهام سرقيوة قد انتقدت سابقًا هجوم حفتر العسكري على طرابلس علانيةً. ولا يعرف أحد حتى يومنا هذا مصيرها.

وقبل بضع سنوات، وتحديدًا في حزيران/ يونيو 2014، اِغتيلت المحامية الحقوقية المشهورة سلوى بوقعيقيص برصاص مجهولين في منزلها في بنغازي.

وفي تموز/ يوليو 2014، اِغتيلت السياسية فريحة البركاوي، عضوة المؤتمر الوطني العام الليبي عن منطقة درنة شمال شرق ليبيا. وكان قد سبق لها أن أدانت بشدة مقتل سلوى بوقعيقيص.

وفي أعقاب اغتيال حنان البرعصي، حثّت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (UNSMIL) السلطات في شرق ليبيا على تقديم الجناة إلى العدالة على الفور، إلا أننا نكاد لا نجد شخصًا في ليبيا يعتقد بأن الجناة سينالون عقابهم يومًا، إذ لم تتم إدانة أو معاقبة أي من الرجال الذين قتلوا أو خطفوا النساء في السنوات الأخيرة، بل حتى لم يتم التحقيق في هذه الجرائم.

 

 

الإفلات من العقاب بصورة كاملة

ذكرت ليلى مغربي -وهي محامية تعمل في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، اضطرت للفرار من وطنها ليبيا بسبب التهديدات- ذات مرة في مقابلة مع منظمة العفو الدولية، أن السلطات والمجتمع الليبي غالبًا ما يعزيان اغتيال النساء إلى دوافع جنائية، مثل السرقة والميراث والقتل دفاعاً عن الشرف. وتابعت قائلةً إن "اعتبار هؤلاء النسوة أنهن ناشطات سياسيات متساويات في الحقوق مع الناشطين السياسيين ليس خيارًا واردًا" بالنسبة للسلطات، مضيفةً أنه يتم اختزال جرائم اغتيالهن إلى مجرد جرائم قتل ذات دوافع جنائية.

وبحسب ما تراه مروة محمد، فإن العنف ضد النساء ما كان له أن يتحقق لولا وجود إمكانية "الإفلات الكامل من العقاب في ليبيا". وتعمل مروة محمد في منظمة حقوق الإنسان 'محامون من أجل العدالة في ليبيا'، وقد غادرت مروة ليبيا في العام 2014، وتعيش اليوم في لندن.

اقرأ أيضًا: مقالات مختارة من موقع قنطرة