نقص حاد في الخبز يلوح في سوريا التي كانت تفخر قبل الحرب بمخزونات من القمح تكفي لأكثر من عام

قال مسؤول في الأمم المتحدة وناشطون ومزارعون إن سوريا قد تواجه نقصا حادا في الخبز للمرة الأولى منذ بداية الحرب فيما يمثل تحديا جديدا للرئيس بشار الأسد وهو يواجه تراجعا اقتصاديا وعقوبات أمريكية جديدة.

وأي اضطرابات كبيرة في نظام دعم الخبز المعمول به في سوريا قد تضعف وضع الحكومة وتهدد السوريين المعتمدين اعتمادا كبيرا على القمح في وقت يدفع فيه التضخم الجامح أسعار المواد الغذائية للارتفاع.

وقال مايك روبسون ممثل منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة في سوريا ”ثمة أدلة بالفعل على أن الناس بدأت تستغني عن وجبات“.

وأضاف ”إذا ظلت العملة تحت ضغط فسيكون من الصعب الحصول على الواردات وربما تشهد الشهور التي تسبق محصول القمح لعام 2021 نقصا حقيقيا“.

ويعاني الاقتصاد السوري من انهيار تحت وطأة الصراع المعقد متعدد الأطراف في عامه العاشر ومن أزمة مالية في لبنان تعمل على خنق مورد حيوي للدولارات.

وتسبب ارتفاع الأسعار في زيادة مصاعب الحياة للسوريين الذين يعانون من ويلات حرب سقط فيها مئات الألوف ونزح خلالها الملايين عن ديارهم.

وخلال الأشهر الستة الأخيرة وحدها تشير بيانات برنامج الأغذية العالمي إلى أن عدد الذين يقدر أنهم ”لا يشعرون بالأمن الغذائي“ في سوريا ارتفع من 7.9 مليون فرد إلى 9.3 مليون فرد.

قالت يارا التي تعمل موظفة بالدولة ”راتبي (الشهري) البالغ 50 ألف ليرة (21 دولارا في السوق غير الرسمية) يكفي بالكأد بضعة أيام وأنا أعيش بالدين. الناس يبيعون أثاثهم ... هذا شيء لم يحدث من قبل في حياتنا“.

وفي يونيو حزيران 2020 فرضت الولايات المتحدة مجموعة من العقوبات على سوريا هي الأكثر شمولا حتى الآن. وتقول واشنطن إن قانون العقوبات المعروف باسم قانون سيزر يستبعد المساعدات الإنسانية ويهدف إلى محاسبة الأسد وحكومته على جرائم حرب.

وتحمل السلطات السورية العقوبات الغربية مسؤولية المصاعب الكثيرة التي يواجهها المواطن العادي.

وكانت العملة السورية ظلت مستقرة حول 500 ليرة مقابل الدولار لعدة سنوات ثم شهدت هبوطا سريعا في العام الماضي 2019 ، وبلغت مستوى متدنيا عند 3000 ليرة للدولار في يونيو حزيران 2020 تحسبا للعقوبات الجديدة.

ويعرقل هذا التراجع في قيمة العملة خطط الأسد لشراء كل محصول القمح هذا العام لتعويض أي نقص في الواردات من شأنه تقليص المخزون الاستراتيجي.

وكانت سوريا تفخر قبل الحرب بأن لديها مخزونات من القمح تكفي أكثر من عام.

وامتنعت الحكومة عن الرد على استفسارات عن الحجم الحالي للمخزون ومشتريات القمح. وقال روبسون من منظمة الأغذية والزراعة إنه ليس لديه بيانات عن هذا الأمر.

وقال تاجر حلويات في دمشق اسمه عبد الله إنه لم يسبق أن شهد فقرا على هذا النطاق.

وقال لرويترز في رسالة نصية إن سوريا كانت تكتفي ذاتيا دائما وتساءل لماذا وصلت إلى هذه النقطة التي سيصبح معها رغيف الخبز حلما خلال وقت قريب.

بين الخبز والسياسة

استعاد الرئيس السوري السيطرة على جانب كبير من بلاده من أيدي المعارضة المسلحة بمساندة روسيا وإيران. غير أن مناطق زراعة القمح لا تزال في أيدي مقاتلين تحت قيادة كردية بعد أن سيطروا على أراضٍ كانت تخضع لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية.

وانخفض إنتاج سوريا بشدة منذ نشب الصراع. فقد اعتادت إنتاج أربعة ملايين طن في أعوام وفرة الإنتاج واستطاعت تصدير 1.5 مليون طن.

أما في العام الجاري 2020 فتقدر منظمة الأغذية والزراعة أنها أنتجت ما بين 2.1 مليون و2.4 مليون طن. وتتوقع الحكومة أن يبلغ الإنتاج 2.8 مليون طن.

ويبلغ الطلب في مختلف أنحاء البلاد حوالي أربعة ملايين طن مما يعني أنه يجب سد العجز بالاستيراد من الخارج.

غير أن مناقصات الاستيراد الدولية التي تنظمها المؤسسة السورية العامة للحبوب التابعة للدولة وهي المشتري الرئيسي للحبوب في سوريا صادفت فشلا متكررا منذ العام الماضي 2019.

وامتنعت الحكومة عن التعليق على عدد الصفقات التي تمكنت من إبرامها.

وفي حين أن العقوبات الغربية لا تقيد مشتريات الغذاء فإن القيود المصرفية وقرارات تجميد الأصول جعلت من الصعب على معظم الشركات التجارية إبرام تعاملات مع سوريا.

ومع خروج كبار تجار الحبوب من المعادلة، اعتمدت الحكومة على رجال الأعمال في إبرام صفقات للحفاظ على دعم سعر الخبز.

وقال أيمن عبد النور المحلل السياسي المقيم في الولايات المتحدة ”هم يستوردون كميات إلى لبنان ثم ينقلونها إلى سوريا برا ما لم تقدم روسيا شحنات مباشرة من الحكومة للحكومة وعندها يمكنها تسليمها في (ميناء) اللاذقية“.

وأضاف ”أما الآن فقد أغلقت هذه النافذة بسبب المشاكل في لبنان“.

وتظهر بيانات رويترز أن مؤسسة الحبوب طرحت منذ يونيو حزيران 2019 ما لا يقل عن عشر مناقصات دولية لشراء ما بين 100 ألف و200 ألف طن من القمح ولم تعلن نتائح معظمها.

ونقلت وسائل إعلام عن يوسف قاسم رئيس المؤسسة العامة للحبوب قوله إنه تم التعاقد على 1.2 مليون طن من القمح الروسي خلال 2019 بما قيمته 310 ملايين دولار. ولم تستطع رويترز التحقق من مصدر مستقل من هذه المعلومة.

وحاولت المؤسسة مقايضة بعض القمح السوري الصلد المستخدم في صناعة المعكرونة بالقمح اللين المستخدم في صناعة الخبز مرتين في سبتمبر أيلول 2019 دون أن تعلن عن نتيجة هذا المسعى.

وعندما بدأت طوابير الخبز تطول في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة في مارس آذار تقريبا 2020 تلقت السلطات الروسية نداء بإرسال الكمية الكاملة التي وعدت بها من القمح كمساعدات إنسانية منذ 2019 وقدرها 100 ألف طن.

وقالت إليزابيث تسوركوف الباحثة بمعهد أبحاث السياسة الخارجية في الولايات المتحدة وهي متخصصة في الشأن السوري ”ربما للمرة الأولى منذ بداية الانتفاضة السورية تشهد في الأساس نقصا في الخبز المدعوم بالمخابز وهذا أدى إلى ظهور سوق سوداء رائجة“.

وتعد روسيا، أكبر مصدر للقمح في العالم، موردا دائما للقمح إلى سوريا لكن حجم مساعدات القمح لدمشق لا يلبي الطلب.

ولا توضح بيانات الجمارك الروسية حجم الإمدادات لسوريا كما أن حجم هذه الإمدادات يتباين بشدة.

وقال مصدر في قطاع القمح الروسي لرويترز ”الإمدادات مستمرة. ومع ذلك توجد مشاكل في السداد وفي توفر السفن المستعدة لتسليم شحنات لتلك الوجهة“.

وقدر المصدر أن حوالي 150 ألف طن فقط من مبيعات القمح التجارية وصلت إلى سوريا في الفترة من يوليو تموز 2019 إلى مايو أيار 2020.

سباق على شراء المحصول

قالت الحكومة إن السبب في طوابير الخبز هو مشاكل تقنية وأعلنت في بداية موسم شراء القمح في يونيو حزيران 2020 أنها ستشتري الإنتاج المحلي كله.

وبحلول منتصف يونيو حزيران قالت مؤسسة الحبوب إنها اشترت حتى ذلك الحين حوالي 212 ألف طن. وتقدر منظمة الأغذية والزراعة أن حوالي 700 ألف طن من المحصول الإجمالي تزرع في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة هذا العام.

غير أن المحافظات الثلاث التي تمثل أكثر من 70 في المئة من الإنتاج تقع في الغالب في أيدي فصيل قوات سوريا الديمقراطية الذي تقوده وحدات حماية الشعب الكردية.

وكانت الحكومة قد دأبت على إغراء المزارعين ببيع محاصيلهم بدفع سعر أعلى من منافسيها حتى إذا ظل القمح في مناطق خارج سيطرتها.

وفي العام الجاري ومع انهيار الليرة السورية رفعت الحكومة السعر الذي تدفعه من السعر المعلن في بداية الموسم وهو 225 ليرة للكيلوجرام إلى 425 ليرة.

لكن السلطة المحلية التي يقودها الأكراد لجأت في مواجهة انهيار العملة وخوفا من تداعيات العقوبات الأمريكية على الاقتصاد في المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى رفع سعر شراء القمح المحلي بل وربطته أيضا بالسعر السائد للدولار وتعهدت بدفع 17 سنتا أمريكيا للكيلوجرام مهما انخفض سعر الليرة.

وقال سلمان بارودو رئيس مجلس الاقتصاد والزراعة في المنطقة إنه تم حتى الآن شراء 400 ألف طن وحذر من أي محاولة لتهريب المحصول خارج المنطقة.

وتهدف السلطة -التي يقودها الأكراد وتدير المنطقة التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية- إلى تخزين كميات تكفي استهلاك 18 شهرا على ألا تفتح الباب أمام بيع كميات للمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية إلا في حالة وجود فائض. رويترز 09 / 07 / 2020

 

[embed:render:embedded:node:37211]