
هل يصبح "فرح السودان" نموذجاً لِـ "فرح الجزائر"؟هل يتفق الجيش الجزائري والمحتجون أم أن الجزائر ليست السودان؟
فرق التوقيت بين السودان والجزائر ساعة واحدة لصالح بلاد النيلين، بيد أن الفارق في المصير والمآلات بين الاحتجاجات الجزائرية ونظيرتها السودانية شاسع. يعيش السودان هذه الأيام ما اصطلح على تسميته "فرح السودان" الذي جاء تتويجاً لثمانية أشهر من الاحتجاجات، أما حصاد الاحتجاجات الجزائرية بعد ستة أشهر بالضبط على انطلاقتها فما يزال ضئيلاً وما زال البلد عالقاً في عنق الزجاجة.
صيف مثمر
يوم الأربعاء (21 آب/أغسطس 2019) خطا السودان خطوة كبيرة في التحول باتجاه الحكم المدنيّ بأداء رئيس المجلس العسكري، عبد الفتاح البرهان ببزته العسكرية الخضراء المرقطة، اليمين الدستورية رئيساً للمجلس السيادي. وسيحكم المجلس، الذي يتألف من ستة مدنيين وخمس شخصيات عسكرية، البلاد خلال مرحلة انتقالية مدتها 39 شهراً لحين إجراء انتخابات. وسيرأس البرهان المجلس للأشهر الـ 21 الأولى، بينما سيحكمه مدني لفترة الـ 18 شهراً المتبقية.
ويشرف المجلس على تشكيل إدارة مدنية انتقالية تضم حكومة ومجلساً تشريعياً. وفي يوم الأربعاء ذاته أدى الخبير الاقتصادي عبد الله حمدوك القسم رئيساً للحكومة الانتقالية. وتأتي هذه الخطوات الأولى للانتقال بعد احتفالات كبيرة واكبت توقيع المجلس العسكري وحركة الاحتجاج المطالبة بحكم مدني، على وثيقة دستورية انتقالية في 17 آب/أغسطس 2019.
ويحل المجلس السيادي محل المجلس العسكري الانتقالي الذي تولى السلطة في أعقاب الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير على يد الجيش في السادس من نيسان/أبريل 2019 إثر تظاهرات شعبية حاشدة استمرت خمسة أشهر.
إنجاز يتيم
في يوم الخميس (22 آب/أغسطس 2019) يكون مضى على نزول الجزائريين إلى الشارع ستة أشهر، مطلقين حركة احتجاجية غير مسبوقة لا تزال تحتفظ بزخمها غير أنها تصطدم اليوم بتصلّب النظام.

رأى معهد الدراسات الأمنيّة مؤخراً أن المتظاهرين في الجزائر "حققوا أكثر بكثير مما كان العديد من المراقبين يتوقعون". والإنجاز الرئيسي للحركة الاحتجاجيّة كان استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في 2 نيسان/أبريل 2019 بعد بقائه في الحكم عشرين عاماً وفي وقت كان يتوجّه إلى ولاية رئاسية خامسة بدت شبه مؤكدة، وشكلت حتميّة استمراره في الحكم الشرارة التي أشعلت الوضع. كما تمّ اعتقال عدد من الشخصيات كان من غير الوارد المساس بها في عهده، من سياسيّين ورجال أعمال تحوم حولهم شبهات بالفساد منذ وقت طويل.
غير أن الحراك لم يحقّق منذ استقالة بوتفليقة أي تقدّم نحو تغيير السلطة الذي يطالب به، ولا يزال "النظام" قائماً. وبات رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح هو من يمسك فعلياً بالسلطة بعدما أُضعف موقعه في عهد بوتفليقة.
الجيش "هو" السبب!
يرفض النظام في الجزائر رفضاً قاطعاً المطلب المحوري للحراك، وهو تفكيك السلطة القائمة وإنشاء هيئات انتقالية، وكذلك رحيل جميع الذين رافقوا بوتفليقة ودعموه عن السلطة. ولا تقبل السلطات سوى بمناقشة مسألة تنظيم انتخابات رئاسية يفترض أن تفرز خلفاً لبوتفليقة. وفي سبيل تحقيق تلك الغاية تم تشكيل "هيئة الحوار الوطني" في تموز/يوليو 2019 وألقي على عاتقها التشاور مع الأحزاب السياسية والمجتمع المدني وممثلين عن الحراك الاحتجاجي، بغية تحديد آليات لإجراء الانتخابات الرئاسية.
ويرفض الحراك الذي يشارك به الطلاب بشكل واسع، هذا الحوار وهيئته، ويطالب بتفكيك السلطة الموروثة من نحو عقدين من حكم بوتفليقة قبل إجراء أي اقتراع وإقامة مؤسسات انتقالية، الأمر الذي ترفضه السلطات الجزائرية، بشقيها المدني والعسكري.
يعزو رئيس "مركز دراسات الشرق الأدنى والأوسط" في كلية العلوم السياسية في جامعة ماربورغ الألمانية، رشيد أوعيسى، المأزق القائم "بشكل كلي" إلى رفض الجيش التخلي عن الحكم وامتيازاته. ويرجع أوعيسى قبض الجيش على الدولة والسياسة إلى ما قبل الاستقلال، وتحديداً إلى مؤتمر الصومام في 20 آب/أغسطس عام 1956، والذي مرت في أغسطس / آب 2019 ذكراه الثالثة والستين. في ذلك المؤتمر جرى تنظيم وتوحيد جهود الثورة الجزائرية سياسياً وعسكرياً: "أحد أبرز مهندسي المؤتمر، عبان رمضان، أراد أن يخضع الجيش للساسة وليس العكس. ودفع عبان رمضان حياته ثمناً لكلمته تلك على يد رفاقه عام 1957"، بحسب الباحث الجزائري.