
جيوسياسية الصراع السوري - هل يوفِّق بوتين بين إردوغان والأسد؟
عندما سُئل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول اقتراح الولايات المتَّحدة الأمريكية إقامة منطقة أمنية شرق نهر الفرات - التي تهدِّدها تركيا بعملية عسكرية - قال إنَّ مثل هذه الخطوة غير شرعية.
وقد أشار بدلاً من ذلك إلى اتِّفاق تم توقيعه في عام 1998 بين دمشق وأنقرة وأكَّد من خلال ذلك لتركيا على أنَّ روسيا قد فهمت المخاوف الأمنية التركية. وفي الوقت نفسه دافع بذلك عن مصالح روسيا، التي تريد منع الوجود الأمريكي الدائم في المنطقة.
تناول فلاديمير بوتين موضوع "اتِّفاق أضنة" في اجتماع تم عقده في الثالث والعشرين من شهر كانون الثاني/يناير (2019) مع نظيره التركي رجب طيب إردوغان في موسكو. وبالمناسبة تمت تسمية هذا الاتِّفاق بحسب المدينة الجنوبية التركية التي تم توقيعه فيها.
وكان الهدف من هذا الاتِّفاق في أواخر التسعينيات تفادي خطر نشوب حرب بين تركيا وسوريا. في تلك الفترة كانت سوريا مستضيفة لديها عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني PKK المسجون منذ فترة طويلة (في تركيا)، الذي تم ولا يزال يتم تصنيفه كتنظيم إرهابي من قِبَل كلّ من تركيا والاتِّحاد الأوروبي والولايات المتَّحدة الأمريكية.
لقد أدَّى هذا الاتِّفاق في تلك الأيَّام إلى إجبار عبد الله أوجلان على مغادرة سوريا. وفي آخر المطاف، تم إلقاء القبض عليه أثناء هروبه في كينيا من قِبَل المخابرات التركية. تمت إدانة عبد الله أوجلان في تركيا بتهمة الخيانة العظمى، وهو يقضي الآن عقوبة مشدَّدة بالسجن مدى الحياة في سجن شديد الحراسة يقع في جزيرة إمرالي النائية في بحر مرمرة.
التعاون في مكافحة الإرهاب
يُلزِم "اتِّفاق أضنة" الموقِّعين عليه بالتعاون الوثيق في محاربة الإرهاب. وينصُّ بالإضافة إلى ذلك على تعيين ممثِّلين خاصين وإجراء اتِّصالات رفيعة المستوى بين جيشي البلدين. كذلك شدَّد هذا الاتِّفاق على أنَّ العدو المشترك، الذي تجب محاربته، ليس حزب العمال الكردستاني وحده، بل كلّ تنظيم يتم تغيير اسمه أو يرتبط معه في المستقبل.

تبيِّن التفاصيل المدرجة في هذا الاتِّفاق أيضًا لماذا ترى تركيا اليوم وحدات حماية الشعب الكردية (YPG)، التي تعتمد عليها الولايات المتَّحدة الأمريكية في محاربة تنظيم داعش، أنها الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني. تسيطر هذه الميليشيا الكردية على نحو ثلث سوريا في شكل إدارة ذاتية على امتداد الحدود التركية، التي تصفها تركيا بأنَّها "ممر للإرهاب" (في شمال سوريا).
عودة التقارب مع دمشق؟
بعد لقائه مع بوتين، قال إردوغان إنَّ هذا الاتِّفاق يقدِّم الجواب على ما تقوم به تركيا في سوريا. غير أنَّه رفض بشدة وحزم ادِّعاءات المعارضة بأنَّ بوتين قد لجأ إلى هذا الاتِّفاق بهدف إعادة إحياء العلاقات المقطوعة بين تركيا وسوريا، وذلك لأنَّ سوريا هي الوحيدة القادرة على تبديد مخاوف أنقرة الأمنية.
أثناء رحلة عودته من اجتماعه في موسكو، أكَّد إردوغان للصحفيين الموجودين على متن طائرته أنَّ تركيا لن تقيم اتِّصالات على أعلى المستويات مع "شخص مسؤول عن موت أكثر من مليون إنسان وتشريد ملايين الناس الآخرين"، وقد أشار إردوغان بذلك إلى الرئيس السوري بشار الأسد.
وفي حوار مع موقع قنطرة، قال أونال تشيفيكوز، وهو نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي (CHP) المعارض وسفير سابق، إنَّ إشارة فلاديمير بوتين إلى "اتِّفاق أضنة" من أجل تبديد مخاوف أنقرة الأمنية تعتبر اقتراحًا مشروعًا ومنطقيًا.