مصر - الذكرى الثامنة لثورة 25 يناير 2011
الخطايا السبع للمعارضة المصرية منذ ثورة يناير

في 25 يناير/ كانون الثاني 2011، خرج ملايين المصريين إلى الشوارع والميادين باحثين عن "العيش والحرية والعدالة الاجتماعية". لكن بعد مرور ثماني سنوات تبدو المعارضة الديمقراطية المصرية في حالة يرثى لها من الانقسام بعد أن فشلت في تقديم نظام بديل لدولة العسكر. الباحث المصري تقادم الخطيب يحلل في المقال التالي أهم أخطاء المعارضة في السنوات الأخيرة.

حينما أتحدث عن المعارضة هنا أقصد بها كل أطيافها المختلفة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار والتي تتخذ من النضال السلمي نهجا وطريقا للتغيير، دون الوقوع في فخ الإقصاء والتفرقة بين أحد على أساس الانتماء الأيديولوجي.

لقد ارتكبت تلك المعارضة أخطاء عدة منذ اندلاع انتفاضة يناير 2011 حتى اللحظة الآنية 2019، وبالطبع كل خطأ له من الدوافع والخلفيات التي أدت إلى حدوثه، وأنا هنا لست بصدد شرح تلك الدوافع والأسباب فالمقام لا يتسع لها هنا.

ترك أداة الضغط الحقيقية...ميدان التحرير 

الخطيئة الأولى: منذ اللحظة الأولى، التي انطلقت فيها الانتفاضة الثورية في يناير 2011 ارتكبت المعارضة المصرية أول خطاياها، فبعد تنحي حسني مبارك مباشرة وتمرير الانقلاب الناعم على السلطة، دعت المعارضة إلى ترك ميدان التحرير دون أن يكون هناك اتفاق على الخطوات المستقبلية، ودون الشعور بقيمة الميدان وفاعليته كأداة ضغط حقيقية في تحقيق أهداف الانتفاضة.

ولقد كان ومازال التفريط في تلك القيمة بمثابة الرصاصة الأولى، التي أطلقت على الانتفاضة. فلو بقي الناس في الميدان أسبوعاً واحداً بعد سقوط مبارك لتغير المشهد تماما، فلم يكن المجلس العسكري حينها قادرا على الوقوف في وجه الملايين التي أجبرت المجلس العسكري في أن يجبر مبارك على أن يتخلى عن السلطة.

فما زلت أذكر حينما كنت مسؤولا لملف الاتصال السياسي بالجمعية الوطنية للتغيير وأثناء الاجتماعات المختلفة كيف نادت القوى السياسية المختلفة -وفي مقدمتها جماعة الإخوان وتبعها آخرون من الأحزاب التقليدية المتحالفة تاريخيا مع الدولة العميقة (وهنا أيضا لا أعدد أخطاء طرف دون طرف)- بضرورة إخلاء الميدان، والانطلاق في العملية السياسية دون الاتفاق على الرؤية المستقبلية.

 من المطروح في مصر 2019 تعديل الدستور ليتيح للرئيس عبد الفتاح السيسي البقاء في الحكم بعد انتهاء ولايته الثانية عام 2022.
انقلاب على الجميع: نظام الثالث من يوليو قرر أن ينقلب على الجميع، ويستولي على السلطة دون إعلان انتخابات رئاسية مبكرة، إلى جانب عزل الرئيس المنتخب.
 
 
وهو موقف في جوهره يعني الانتهازية التي اتسمت بها المعارضة السياسية باختلاف توجهاتها والهرولة لوراثة نظام مبارك وتقسيم الغنائم فيما بينها، وهذه كانت إحدى الثغرات التي لعب عليها المجلس العسكري واستغل ذلك لتعميق الانقسام السياسي وإشعال حرب سياسة بين الجميع. انقسام ما زال مستمرا حتى اللحظة، وأصبح النظام قادرا على اللعب عليه والاستفادة منه لإطالة بقائه.
 
الأيديولوجيا كبديل للمشروع السياسي
 
الخطيئة الثانية: عدم صياغة مشروع يشعر الجميع بالمساهمة فيه، ويحاول أن يقدم رؤية لما بعد مبارك. فقد كانت المعارضة متمثلة في الجمعية الوطنية للتغيير تمتلك مشروعا باسم المطالب السبعة وهي المطالب التي نادت بها الانتفاضة الثورية في يناير 2011 حينما قامت، لذا وجدت تلك القوى نفسها في فراغ فكري وعدم امتلاك رؤية للمرحلة الجديدة بعد بعد تنحي مبارك.
 
غياب مشروع سياسي أدى إلى تمركز القوى السياسية حول الأيديولوجيا كبديل للمشروع السياسي، فانصرف الجميع عن القضايا الأساسية كالديمقراطية والحرية، وأسس رؤيته على أساس الأيديولوجيا، فأصبحت الأيديولوجيا هي المشروع السياسي لكل فصيل. فاليساريون رأوا الحل في الأيديولوجيا اليسارية، والإسلاميون رأوا الحل في الأيديولوجيا الإسلامية ... إلخ. وبين هذا وذاك توارت المطلبية الأساسية (الحرية والديمقراطية) عن الساحة كأساس للخطاب والمشروع السياسي.
 
  مظاهرات ضد مرسي
خلط يقع فيه أتباع جماعة الإخوان المسلمين: يخلط أتباع جماعة الإخوان المسلمين بين الأحقية في التظاهر السلمي وبين الانقلاب الذي قام به نظام الثالث من يوليو ضد الجميع، فقد خرجت المظاهرات للمطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة، وبغض النظر عن الاختلاف أو الاتفاق حول الفكرة، إلا أن نظام الثالث من يوليو قرر أن ينقلب على الجميع، ويستولي على السلطة دون إعلان انتخابات رئاسية مبكرة، إلى جانب عزل الرئيس المنتخب.
 
 
التحالف مع الدولة العميقة وعدم تطوير الذات
 
هذا الغياب أيضا أدى بدوره إلى الخطيئة الثالثة وهي عدم وجود خطاب سياسي يقوم على الإقناع للجماهير. فغياب المشروع أدى إلى غياب البنية التي يتشكل منها الخطاب. كما أن التحول إلى رد الفعل وليس الفاعل في الساحة السياسية جعل الخطاب في أساسه يقوم على اللحظة الآنية التي يظهر فيها الحدث. فكل خطاب يخرج من المعارضة ما هو إلا رد فعل للقمع المتنامي الذي يمارسه النظام.
 
الخطيئة الرابعة: أصبحت تلك المعارضة غير قادرة على تطوير ذاتها وأسلوب عملها والانتقال من الفعل الاحتجاجي كأساس وحيد لشكل المعارضة، أو حتى محاولة كسر حالة الجمود التي أصابتها.
 
على سبيل المثال لا الحصر، فإن جماعة الإخوان المسلمين لم تدرك حتى اللحظة أن صيغتها الحالية أصبحت عبئا على الدولة والمجتمع في آن واحد، ولا بد أن تحل نفسها وتتحول إلى حزب سياسي، له رؤية وهدف سياسي ويعلن قطيعته مع إرث الجماعة وماضيها.
 
 آلاف من أنصار الرئيس المصري المنتخب المعزول محمد مرسي وهم معتصمون في منطقة رابعة العدوية وميدان النهضة بالقاهرة.
عدم تطوير الذات: أصبحت المعارضة في مصر غير قادرة على تطوير ذاتها وأسلوب عملها والانتقال من الفعل الاحتجاجي كأساس وحيد لشكل المعارضة، أو حتى محاولة كسر حالة الجمود التي أصابتها. على سبيل المثال لا الحصر، فإن جماعة الإخوان المسلمين لم تدرك حتى اللحظة أن صيغتها الحالية أصبحت عبئا على الدولة والمجتمع في آن واحد، ولا بد أن تحل نفسها وتتحول إلى حزب سياسي، له رؤية وهدف سياسي ويعلن قطيعته مع إرث الجماعة وماضيها.
 
 
الخطيئة الخامسة: هي التحالف مع الدولة العميقة من أجل إزاحة الآخر، أي الخصم السياسي. فقد لعبت جبهة الإنقاذ ذلك الدور ببراعة، وكانت لا تمتلك أي مشروع سياسي سوى الإطاحة بالإخوان المسلمين.
اقرأ أيضًا: مقالات مختارة من موقع قنطرة