ألفة يوسف لـموقع قنطرة
التعامل مع الإسلام من خارج منظومته "جفاف معرفي"

تجدّد الباحثة التونسية ألفة يوسف في حوار مع "قنطرة" التشديد على فشل فقهاء المسلمين في التركيز على البعد الروحاني الفردي للشعائر الدينية، مشددة في ذات الوقت على تمسّكها بخيار التعامل مع النصوص المقدسة من داخل المنظومة الدينية وليس من خارجها، وتحدثت عن تناغم وتكاتف بين دور رجال الدين ورجال العلم في أزمة فيروس كورونا. حاورها من تونس الصحافي إسماعيل دبارة.

قنطرة: لنبدأ من حديث الساعة، أي جائحة كورونا التي تغيّر أولويات الشعوب على نحو طفرويّ غير مسبوق. هل خلصت تأمّلاتك إلى أمر ما في هذا الصدد؟

ألفة يوسف: هذه الجائحة تغيّر بلا شكّ أولويات الشعوب، وهي ككل الحوادث المفاجئة التي تحصل في حياة الانسان تدفعه إلى أن يتأقلم معها بشكل مختلف.

مشكلة الانسان عموما وهنا أتجاوز الاختلافات العرقية والثقافية والتاريخية، أنه يتصور نفسه حاكما للكون، ويعتقد أنه هو الفاعل الوحيد فيه، وينسى أنه في جوهره موضوع قبل أن يكون ذاتً.

ما يجري من أحداث مفاجئة كالحروب، أو الزوابع والأعاصير وكل تحركات الطبيعة كتسونامي منذ سنوات، أو هذه الجوائح التي تمر على البشرية من حين لآخر، كلها تزعزع ذات الانسان وتذكره أنه ليس الفاعل الأول في الكون.

في المدة التي تدوم فيها هذه الأزمة، نجد أن الانسان يغيّر أولوياته ويتذكر - ولو بشكل غير واع- ضعفه وعجزه أو بعبارة فلسفية يستعملها كثيرا التحليل النفسي "يتذكر الإنسان حدوده".

اللطيف أنه ما إن تمر هذه الأزمات حتى يعود الانسان مرة أخرى الى غطرسته وصلفه ووهم اعتقاده أنه هو "الفاعل الأوحد في الكون"، إلا ما رحم ربك من الحكماء الذين فهموا أن الانسان مجرّد دور عابر في هذه الحياة.

قنطرة: فيما يتعلّق بتأثير الجائحة على العبادات، هل تؤيدين الرأي القائل بأن الممارسة في الاسلام باتت تنحو أكثر نحو الفردانية؟ أي أن البعد "الجماعي" في الصوم والحج والزكاة والصلاة، تراجع كثيرا بفعل التباعد الاجتماعي؟

ألفة يوسف: في مرحلة ما بسبب التباعد الاجتماعي هنالك جنوح نحو الفردانية، لكن الفردانية العميقة ليس متصلة بالبعد عن الناس ماديا أو القرب منهم.

ذكرتم بعض الشعائر، مثلا الصلاة يمكن أن تكون مع الجماعة، ويكون الانسان فيها واعيا بأن خشوعه مع الله هو خشوع فردي.

السؤال الذي يطرح حول هذه العبادات هو إلى أي مدى نستطيع أن نحقق عمقها الفردي بغض الطرف عن سياقها الفردي أو الجماعي، فالبعد الروحاني فرديّ أو لا يكون، ولذلك أعتقد أن من الأمور التي فشل فيها أغلب المفكرين عبر تاريخ الاسلام هي التركيز على البعد الروحاني الفردي وتوعية المسلم واقناعه بأن الشعائر ليست هدفا في ذاتها انما هي وسيلة لبلوغ راحة وطمأنينة وسكينة واخلاق، وهذا ما حاولت أن أحلله بدقة في كتابي: "شوق... قراءة في أركان الإسلام".

 

 

قنطرة: "الممارسة الدينية الفردية بسبب كورونا تساعد على التخلص من إيمان القطيع، الذي يقوده الزعيم أو الشيخ" هذا ما صرّح به الأنثروبولوجي يوسف الصديق، هل تتفقين معه؟

ألفة يوسف: لا أعتقد أن الأمر آلي بهذا الشكل، فإيمان القطيع ليس متصلا بالعلاقة المباشرة مع الجماعة وإنما هو استبطان في المخيال الجمعي للدين. للأسف الدين عندنا انتصر فيه بعد الهوية الجماعي على بعد الأخلاق الفردية، في حين أن الرسول صل الله وعليه وسلم قد قال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".

هذا التصور الجماعي يعطي الفرد وهم مقدرة ووهم سيطرة وقوة، في حين أن الجوهر الروحاني للدين وهو ليس جوهر القطيع، يعطيه اطمئنانا وسكينة واحساسا بحدوده ورغبة في القيام بدوره في الكون مثلما أراد الله له أن يكون واعيا بأنه ثان في الكون وليس أولا فيه.

قنطرة: في مجتمعات عربية ومسلمة كثيرة، أوكلت مهمة التصدي لفيروس كورونا إلى لجان علمية وكفاءات طبية متخصصة وليس إلى أئمة المساجد للدعاء كما حدث سابقا. هل يسير المسلمون نحو الايمان بالعلوم ودور العلماء بعد هذه الجائحة؟ أم أن الأمر ظرفي ومستجدّ؟

ألفة يوسف: لست من الذين يؤمنون بالتقابل أو التناقض بين العلماء ورجال الدين وعندما أقول "رجال الدين" استعمل الكلمة بالمعنى الجنساني (اي رجال الدين ونساؤه).

هذا التصور القائم على التناقض وهمي، يريد أن يجعل العلم ضد الدين أو الايمان وأن يجعل الإيمان ضد العلم. من الطبيعي أنه ازاء جائحة تحتاج علاجا طبيا، يجب أن يقوم الاطباء بأدوارهم لكن ليس الأطباء وحدهم، فهنالك أدوار أخرى، مثلا المختص النفسي عليه أن يقوم بدوره في مساعدة الناس على تجاوز الخوف والقلق، والمختص الاجتماعي عليه النظر في دلالة الجائحة اجتماعيا وتأثيرها على المجتمعات البشرية وهكذا.

كذلك رجل الدين، يمكن أن قوم بدوره، فالدعاء لا ينفي العمل، وهنالك تصورات تجعل العالم ثنائيا، فالإنسان له أبعاد متعددة، بعده الروحاني حاضر في كل الاحوال، وعندما يكون في أقصى الافعال مادية واغراقا في الجانب المادي، فالجانب الروحي موجود أيضا، لذلك علينا أن نتجاوز هذه الثنائية على أساس أن رجل الدين يقصي الطبيب أو العكس، لنبحث كيف يمكن أن يتكاتف كل الناس كل من موقعه ومجاله للإجابة عن حاجات الانسان المتعددة التي تختلف وفق الظروف أولوياتها.

اليوم العلماء يُحترمون ورجال الدين يُحترمون والعمال والكتاب كلهم يحترمون، ويجب التوقف عن الاقصاء واقامة الكون على تفضيل دور على دور آخر. هذه الحياة كما ارادها الله قائمة على الاختلاف تقبل الجميع وتتسع إليهم ولا تفضل جماعة على أخرى.

اقرأ أيضًا: مقالات مختارة من موقع قنطرة