
كوفيد-19 - انعدام المساواة وغياب الشفافيةجائحة كورونا عززت استمرار حالة الطوارئ في السلطويات العربية
من المتعارف عليه على نطاق واسع أن الشفافية هي المفتاح لمواجهة تفشي فيروس كورونا المستجد، غير أن معظم دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اتخذت ولأول مرة قرارات سياسية من أجل التصدى لشأن متعلق بالصحة العامة متعاملةً معه كمسألة أمن قومي.
فقد تم الانتقال من الإجراءات الاعتيادية إلى إجراءات طوارئ تقيد حرية الحركة، بالإضافة إلى إغلاق المدن والمرافق الصناعية والاقتصادية، وهو ما أدى إلى تفاوت حاد في المساواة المجتمعية في كثير من الدول الشرق الأوسطية، من خلال توقف المداخيل المالية لغالبية العمالة غير الماهرة وأصحاب المحلات والحرفيين، وهو ما زاد من الفقر ومن عدم قدرتهم على الإيفاء بإيجاراتهم أو إطعام عائلاتهم.
إن الانجراف تجاه إعلان حالة الطوارئ وفرض إجراءات صارمة ونشر تقنيات المراقبة، وتطبيق أساليب جديدة لتقييد وتتبع وإدارة المواطنين قد تكون له تبعات سياسية جدية، لاسيما وأن سجِلات دول شرق أوسطية عديدة حافلة بانتهاكات حقوق الإنسان. ومع انتشار وباء "كوفيد 19" الذي يتيح استخدام هذه التقنيات (مع رفض أي انتقادات)، فإن تلك الأدوات قد يستمر استخدامها في مجال الصحة العامة أو حتى الأمن، سواء أكانت مبررة أم لا، بعد انتهاء الوباء.

هذا يثير تساؤلاً حول الأنظمة ما بعد كورونا. تلك الأنظمة التي تسعى لتكثيف الأمن وأساليب المراقبة سوف تستمر، وبالتالي فإن حالة طوارئ تسود فيها إجراءات خاصة سيُنظر لها على أنها إجراءات صارمة قادرة على إظهار قدرة الدولة على تقييد الناس والتحكم بهم.
تغذية التوترات الطائفية
على خلفية الوضع السياسي المتقلب، فإن غياب الشفافية زاد من التوترات الطائفية في المنطقة، على مستوى الدولة وفي قطاعات الشعب المختلفة. كان هنالك فشل في إيجاد بيانات يعتدّ بها حول فيروس كورونا، والمؤسسات الحكومية المتخصصة ما زالت بطيئة في الإفراج عن معلوماتها، رغم أن ذلك من أهم الأمور أثناء جائحة إقليمية.
عندما تسربت معلومات حول معدلات الإصابة في إيران، اتهم الكثير من اللبنانيين حزب الله بالتغطية على حقيقة انتشار الفيروس في لبنان، وطالبوا بوقف رحلات الطيران القادمة من إيران. هذا الأمر غذى التوترات الطائفية في لبنان والمنطقة ككل، ما أدى إلى اتهام لبنانيين لإيران بتضليل الرأي العام وتهديد الصحة العامة في المنطقة بأكملها. السعودية والبحرين أدانتا إيران بقوة بسبب استجابتها المتهورة للفيروس، خاصة فيما يتعلق بعدم ختم جوازات سفر مواطني دول مجلس التعاون الخليجي الذين دخلوا إيران.
كما أبرز الفيروس جزءاً كبيراً من الأحكام المسبقة تجاه الآخرين. فقد طالبت ممثلة كويتية بترحيل العمال الأجانب، بينما أطلق مئات من مستخدمي تويتر السعوديين أحكاماً مسبقة بأن الاستجابة السنية كانت متحضرة ومتعقلة، بينما كانت الاستجابة الشيعية الإيرانية غبية. لقد ادعى البعض حتى أن الفيروس وانتشاره ممولان من قطر لتخريب "رؤية 2030" السعودية.
بالإضافة إلى ذلك، فقد ازدادت حالة الاستقطاب الداخلي لدى كافة الأطياف السياسية نتيجة للجائحة. ففي لبنان، رأت النخب السياسية المقسمة طائفياً أن انتشار الفيروس أصبح فرصة للعودة إلى قواعدها الشعبية واستعادة بعض الدعم المفقود، خاصة عقب احتجاجات أكتوبر / تشرين الأول عام 2019.
أما في الأراضي الفلسطينية، فقد أضاف انتشار فيروس كورونا طبقة جديدة من الانقسام، عندما رفضت إدارة الأمر الواقع التابعة لحركة حماس في غزة تطبيق إجراءات الطوارئ الجديدة التي أمر بها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. هذا التباعد السياسي ازداد أكثر عندما بات من الواضح أن إدارة حماس في قطاع غزة لم تكن صريحة فيما يخص الإجراءات الصحية والحاجات الطبية وترتيبات الحجر الصحي.