
أول ترجمة ألمانية كاملة لديوان محيي الدين بن عربي ـ"ترجمان الأشواق"ـتعبير ابن عربي عن شوقه لله باستعارات رومانسية
يعتبر محيي الدين ابن عربي من أكثر الشخصيات عمقًا وإثارة للاهتمام في الثقافة الإسلامية. نادرًا ما تُرجِمَت أعمال ابن عربي إلى الألمانية بسبب عمق معانيها - وهذا على الرغم من الأهمية التاريخية لمؤلفها.
بالإضافة إلى ذلك فإنَّ عمل ابن عربي في غاية الضخامة وصعب الفهم على البسطاء؛ وعلى أية حال هذا ما أكَّده المعلقون على مؤلفاته الصوفية من الشرق والغرب على مرّ القرون.
الباحث في العلوم الإسلامية المقيم في مدينة كولونيا ورئيس تحرير المجلة الثقافية "فكر وفن" شتيفان فايدنَر يرى ذلك بشكل مختلف، على الأقل فيما يتعلق بمجموعة قصائد ابن عربي الشهيرة "ترجمان الأشواق".
وها هو شتيفان فايدنر، الذي تم تكريمه من قِبَل الأكاديمية الألمانية للغة والشعر على ترجماته من اللغة العربية، قد قام بإعداد أوَّل ترجمة ألمانية كاملة لقصائد ابن عربي.
يقول شتيفان فايدنر إنَّ الأبيات لها طابع حديث وسهل ويمكنها أن تتحدَّث إلينا مباشرة من دون أن تتوفَّر لدى القارئ أية معرفة مسبقة خاصة.
قدَّم لنا شتيفان فايدنر ترجمة مثيرة للاهتمام استهلها بهذه القناعة: حديثة لغويًا ومتحرِّرة من القواعد الأدبية، في حروف صغيرة ومن دون علامات ترقيم.
وبالتالي تبقى للقارئ عند قراءة القصائد المساحة القصوى لتفسيره الخاص، حتى وإن كانت القراءة تتطلب بعض التعوُّد عليها - لكي لا نقول إنَّها تتطلب معرفة مسبقة.

إيحاءات -ذات تفسيرين- وأحيانًا شهوانية
يتألف "ترجمان الأشواق" من إحدى وستين قصيدة حبّ استوحاها ابن عربي من لقاء مصيري. فخلال حجِّه الأوَّل إلى مكة، التقى بـ"نظام"، وهي ابنة فقيه من أصفهان جميلة وموهوبة.
تُصادِف القارئَ إيحاءاتٌ ذاتُ تفسيرَيْن وأحيانًا ممتدة إلى الشهوانية تتخلل أبيات "ترجمان الأشواق"، ويصفها شتيفان فايدنر عن حقّ في مقدِّمته الموجزة بأنَّها ثورية بالنسبة للشعر العربي.
يطالب شتيفان فايدنر بقراءة القصائد كقصائد، أي كأدب، وتركها تتحدَّث عن نفسها. وينتقد العديد من المترجمين على تفسيرهم قصائد ابن عربي من منطلق صوفي. ويقول إنَّ ذلك جعل قصائده تظهر حتى الآن تحت ضوء الروحانيات الإسلامية بشكل خاص.
ولكن إلى أي مدى يمكن على الإطلاق "إزالة الغموض" عن شخص مثل ابن عربي يرمز -من خلال سيرته الذاتية أكثر من أي شخص غيره- إلى المستويات الروحية في التصوُّف الإسلامي؟
مَنْ يعرف عَالَم ابن عربي يعرف أنَّ جميع كتاباته موجَّهةٌ نحو التعرُّف على الجوهر الإلهي. لقد كان ابن عربي يفهم كيف يدمج الظواهر المتناقضة في العالم في شيء واحد، يصبح فيه كلُّ شيء مُعَايَش تجليًا من تجليات الذات الإلهية.
لقد أوضح ابن عربي نفسه في تعليقه الخاص على القصائد، الذي جاء كردّ على النقد الغاضب المُتَزَمِّت، أنَّ قصائده تتناول الحقائق الروحية، حتى وإن كانت مغطاة باستعارات الحبّ الدنيوي. فهل هذا مجرَّد انسحاب يعتذر من خلاله كاتبٌ محاصر؟ بالكأد يبدو هذا محتملًا.
غير مُختَزل في الرومانسية
حتى وإن كان حبّ ابن عربي لنظام يملك بجميع الاحتمالات بُعدًا جسديًا، فمن الخطأ اختزاله في ذلك البعد أو حتى قراءة القصائد على أنَّها تعبير عن مشاعر رومانسية شهوانية.
إنَّ قراءة ابن عربي بطريقة شتيفان فايدنر الحديثة تجعله يبدو بشكل تلقائي "سابقًا لعصره" أو شخصًا مناسبًا للخطاب الحديث يواجه الإسلام العادي المتزمِّت في يومنا هذا.